. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَمَّا حُجَّةُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا، فَقَدْ سَبَقَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِانْتِفَاءِ خَوَاصِّ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى انْتِفَائِهِ فِي قِيَاسِ الِاسْتِدْلَالِ، أَوْ يُقَالُ: إِنَّمَا لَمْ يَجِبِ الْفِعْلُ الْفُلَانِيُّ لِتَضَمُّنِهِ مَفْسَدَةَ كَذَا. وَهَذَا الْفِعْلُ يَتَضَمَّنُ مِثْلَ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ قِيَاسُ الْعِلَّةِ.
وَحُجَّةُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا قَدْ أُشِيرَ إِلَيْهَا أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ الْأَصْلِيَّ ثَابِتٌ مُسْتَمِرٌّ بِذَاتِهِ، فَيَسْتَحِيلُ إِثْبَاتُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ اسْتِدْلَالٍ أَوْ عِلَّةٍ، لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ الثَّابِتِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
وَالْجَوَابُ: أَمَّا الِاسْتِدْلَالُ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، لَا مُثْبِتٌ لَهُ.
وَأَمَّا الْعِلَّةُ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ فَهْمُنَا بِالْقِيَاسِ إِلَى حِكْمَةِ الشَّرْعِ، فَنُعَدِّيهَا إِلَى مَا سَاوَى النَّفْيَ الَّذِي اسْتُفِيدَتْ مِنْهُ، كَقَوْلِنَا: إِنَّمَا لَمْ يُبَحِ السُّمُّ، لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِالْأَبْدَانِ، مُفَوِّتٌ لِحُقُوقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْهَا، ثُمَّ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى كُلِّ مُضِرٍّ بِالْبَدَنِ، مُفَوِّتٍ لِلْعِبَادَةِ مِنْهُ، كَقَتْلِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ مُفِيدٌ لَوْ لَمْ يَرِدِ النَّصُّ بِمُقْتَضَاهُ، لَصَحَّ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهِ، وَقَدِ اسْتَرْسَلْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَطَلْتُ فِيهَا طَلَبًا لِلْكَشْفِ عَنْهَا، إِذْ تَصَوُّرُهَا وَتَرْكِيبُ أَمْثِلَتِهَا مِنَ الْمُشْكِلَاتِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ خُصُوصًا الْمُبْتَدِئُ فِي هَذَا الْعِلْمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute