للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَعْنِي بِالْمُخْتَارِ؟ فَإِنَّ لَفْظَهُ مُجْمَلٌ، لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى ضِدِّ الْمُكْرَهِ، وَهُوَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا بِحَسَبِ مَيْلِهِ إِلَيْهِ، وَشَهْوَتِهِ لَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بِقُدْرَتِهِ، مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لَهُ مِنْهُ فِي بَدَنِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ، وَهُوَ الْمُكْرَهُ، فَالْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ يُقَالُ لَهُ: مُخْتَارٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ.

وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ ضِدَّ الِاخْتِيَارِ: الِاضْطِرَارُ، لَكِنَّ الِاضْطِرَارَ تَارَةً يَكُونُ خَارِجِيًّا، كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، وَتَارَةً غَيْرَ خَارِجِيٍّ، كَحَرَكَةِ الْمُرْتَعِشِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَيْهَا بِعَارِضٍ بَدَنِيٍّ، لَا خَارِجِيٍّ، وَالِاخْتِيَارُ أَيْضًا يَنْقَسِمُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ تُرِيدُ بِالْمُخْتَارِ؟

وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ: يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ، لِأَنَّهُ بِيعٌ صَادَفَ مَحَلَّهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ، فَيَقُولُ لَهُ الْمُعْتَرِضُ: مَا تَعْنِي بِالْبَيْعِ، اللُّغَوِيِّ، أَوِ الشَّرْعِيِّ؟ وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ لَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٍّ وَشَرْعِيٍّ، نَحْوَ: الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءِ، نَحْوَ: تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَيُقَالُ: مَا تَعْنِي بِالْوُضُوءِ; الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ أَوِ الشَّرْعِيُّ؟

قَوْلُهُ: «وَجَوَابُهُ بِمَنْعِ التَّعَدُّدِ، أَوْ رُجْحَانِ أَحَدِهِمَا بِأَمْرٍ مَا» . أَيْ: وَجَوَابُ سُؤَالِ الِاسْتِفْسَارِ، أَوْ جَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ، أَوِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ سُؤَالِ الِاسْتِفْسَارِ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَنْعُ تَعَدُّدِ احْتِمَالَاتِ اللَّفْظِ إِنْ أَمْكَنَ; بِأَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مَحْمَلٌ وَاحِدٌ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، أَوْ بِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ جَوَازِ إِطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ، نَفْيًا لِلْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ، فَمَنِ ادَّعَى إِطْلَاقَهُ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>