للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي نَفْيَهُمَا، وَتَخْصِيصُ كُلِّ عَقْدٍ بِلَفْظٍ هُوَ وَفْقُ الْأَصْلِ، وَمَا وَافَقَ الْأَصْلَ يَكُونُ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَهُ.

وَعَلَى هَذَا النَّمَطِ يَكُونُ الْجَوَابُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمِثَالِ، فَنَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ كَفَّارَةِ الْعَمْدِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ تَقْتَضِي التَّغْلِيظَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ بِأَنَّ لِلشَّرْعِ أَنْ يُقَابِلَ الْكَبِيرَةَ بِيَسِيرِ الْعُقُوبَةِ، وَالصَّغِيرَةَ بِعَظِيمِ الْعُقُوبَةِ، كَمَا لَهُ أَنْ يَرْحَمَ الْعَاصِيَ، وَيُعَذِّبَ الطَّائِعَ، وَيُغْنِيَ الطَّالِحَ، وَيُفْقِرَ الصَّالِحَ. وَإِنَّمَا انْقَسَمَتِ الْأَفْعَالُ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَفَاسِدَ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ. أَمَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي عُقُوبَاتٍ بِحَسَبِهَا صِغَرًا وَكِبَرًا فَلَا. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُتَّجِهًا كَمَا تَرَاهُ، غَيْرَ أَنَّ الْمَأْلُوفَ مِنَ الشَّرْعِ يَرُدُّهُ، حَيْثُ جَعَلَ الْعُقُوبَاتِ تَابِعَةً لِصِغَرِ الْأَفْعَالِ وَكِبَرِهَا.

سَلَّمْنَا أَنَّ كَوْنَهَا كَبِيرَةً يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِسْقَاطَ الْكَفَّارَةِ تَخْفِيفٌ، بَلْ هُوَ تَغْلِيظٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالْكَبِيرَةِ قَدْرًا مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَتَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ يُخَفِّفُ عَنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْعَذَابِ، وَكَانَ تَأْخِيرُهُ بِكَمَالِهِ عَلَيْهِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ أَغْلَظَ فِي حَقِّهِ، لِأَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ. وَهَذَا كَمَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُؤْمِنَ تُكَفَّرُ عَنْهُ ذُنُوبُهُ بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا، لِيَلْقَى اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ، تَخْفِيفًا عَنْهُ، بِخِلَافِ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَتَمَتَّعُونَ، وَيُعَجَّلُ لَهُمْ مَعْرُوفُهُمْ فِي الدُّنْيَا، لِيُلَاقُوا عَذَابَ الْآخِرَةِ كَامِلًا، لَمْ يُخَفَّفْ مِنْهُ شَيْءٌ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ.

وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَحْثٌ قَدِ اسْتَقْصَيْتُهُ فِي كِتَابِ «إِبْطَالِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ» لَمْ يَتَّسِعْ هَذَا الْمَكَانُ لِذَكَرِهِ، وَلَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ إِنَّمَا نَحْنُ بِصَدَدِ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>