. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ فِي الصِّنَاعَةِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ فِي الْمِثَالَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَهُوَ عَنْ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ: إِنَّ جِنَايَةَ الْآدَمِيِّ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ضَمَانِهَا بِهِ، وَإِنَّ وَصْفَ الْآدَمِيِّ لَا يُشِيرُ إِلَى تَقْدِيرِ قِيمَتِهِ; فَبِنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِنَايَةَ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الضَّمَانِ بِفَاعِلِهَا، إِذْ لِلشَّرْعِ أَنْ يَجْعَلَ فِعْلَ زَيْدٍ أَمَارَةً عَلَى تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِعَمْرٍو، كَمَا جَازَ أَنْ يُجْعَلَ عَمَلُ زَيْدٍ فِي نِيَابَةِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْقَابِلَةِ لِلنِّيَابَةِ، وَإِهْدَاءِ ثَوَابِ الْقُرْبِ، وَقَضَاءِ الدُّيُونِ الْمَالِيَّةِ، عَلَمًا وَأَمَارَةً عَلَى نَفْعِ عَمْرٍو، وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ.
قُلْتُ: لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ مَنْصُوصِ الشَّرْعِ وَمَأْلُوفِهِ، سَلَّمْنَا مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الِاخْتِصَاصِ، لَكِنَّ عِنْدَنَا مُنَاسِبٌ رَاجِحٌ، وَهُوَ حَمْلُ الْعَاقِلَةِ عَنْ صَاحِبِهِمْ، تَخْفِيفًا عَنْهُ، وَرِفْقًا بِهِ، لِانْقِهَارِهِ بِكَثْرَةِ الْغَرَامَاتِ، لِكَثْرَةِ الْجِنَايَاتِ خَطَأً، وَصَارَ ذَلِكَ عَدْلًا عَامًّا مِنَ الشَّرْعِ، لِأَنَّ الشَّخْصَ تَارَةً يَكُونُ حَامِلًا، وَتَارَةً يَكُونُ مَحْمُولًا عَنْهُ، وَهَذِهِ مَصْلَحَةٌ أَعَمُّ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وَصْفَ الْآدَمِيِّ لَا يُشِيرُ إِلَى تَقْدِيرِ قِيمَتِهِ، بَلْ هُوَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ وَصْفٌ شَرِيفٌ، وَشَرَفُهُ يَقْتَضِي صِيَانَتَهُ عَنِ الْإِهْدَارِ، وَالصِّيَانَةُ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ بَدَلِ نَفْسِهِ، لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَإِذَا كَانَتِ الْأَغْرَاضُ مِنَ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ تُضْبَطُ أَبْدَالُهَا بِأَمْثَالِهَا وَقِيمَتِهَا، لِيَرْجِعَ إِلَيْهَا عِنْدَ حَاجَةِ التَّضْمِينِ، احْتِيَاطًا لَهَا مِنْ دُخُولِ الْغَرَرِ فِيهَا، فَالْإِنْسَانُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute