للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نَافِيَةً، نَحْوَ: " لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ " أَوْ مُثْبِتَةً، نَحْوَ: تَجِبُ الزَّكَاةُ.

وَأَجْوَدُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ إِمَّا أَنْ يَرِدَ مِنَ الْمُعْتَرِضِ دَفْعًا عَنْ مَذْهَبِهِ، أَوْ إِبْطَالًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ بِاسْتِيفَاءِ الْخِلَافِ مَعَ تَسْلِيمِ مُقْتَضَى دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ إِبْطَالَ مَدْرَكِ الْخَصْمِ، أَوْ إِثْبَاتَ مَذْهَبِهِ هُوَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ يَكُونُ مِنَ الْمُعْتَرِضِ دَفْعًا عَنْ مَأْخَذِهِ، لِئَلَّا يَفْسَدَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، كَانَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ مِنَ الْمُعْتَرِضِ إِبْطَالًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ وَالْمُعْتَرِضَ كَالْمُتَحَارِبَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْصِدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ وَتَعْطِيلَ صَاحِبِهِ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ لِمَوْرِدِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.

أَمَّا تَقْسِيمِي أَنَا لَهُ إِلَى نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، فَلِأَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَقْصُودُ التَّقْسِيمِ، وَرَأَيْتُ الْمِثَالَ عَلَى وَفْقِهِ فِي أَصْلِ الْمُخْتَصَرِ. أَعْنِي أَنَّهُ مُنْقَسِمٌ إِلَى نَفْيٍ كَمَا فِي مِثَالِ الْقِصَاصِ، وَإِلَى إِثْبَاتٍ كَمَا فِي مِثَالِ الزَّكَاةِ، فَقَوِيَ الظَّنُّ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَكُنْ عِنْدَ الِاخْتِصَارِ تَأَمَّلْتُهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.

مِثَالُ الْأَوَّلِ: وَهُوَ وُرُودُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ عَلَى إِبْطَالِ مَأْخَذِ الْمُعْتَرِضِ، فَيَدْفَعُ بِهِ الْمُعْتَرِضُ عَنْ مَذْهَبِهِ: أَنْ يَقُولَ الْحَنْبَلِيُّ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ " بِالْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ ": " التَّفَاوُتُ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، كَالتَّفَاوُتِ فِي الْقَتْلِ "، فَإِنَّهُ لَوْ ذَبَحَهُ، أَوْ ضَرَبَ عُنُقَهُ أَوْ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ، أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ، لَمْ يَمْنَعِ الْقِصَاصَ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ التَّفَاوُتُ فِي الْآلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاص مُحَدَّدَةً كَانَتْ أَوْ مُثَقَّلَةً. وَهَذَا تَعَرُّضٌ مِنَ الْمُسْتَدِلِّ بِإِبْطَالِ مَأْخَذِ الْخَصْمِ، إِذِ الْحَنَفِيُّ يَرَى أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآلَةِ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ، لِأَنَّ الْمُثَقَّلَ لَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>