. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَإِلَّا كَانَ مُطَالَبَتُهُ بِالْمُسْتَنَدِ تَكْذِيبًا لَهُ.
قُلْتُ: فَقَدْ بَانَ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُعْتَرِضِ الْعَدْلِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِحُبِّ الِانْتِصَارِ عَلَى الْخَصْمِ حَتَّى بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْكَلَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْمُسْتَنَدِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى إِفْحَامِ الْمُسْتَدِلِّ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَضْيِيعِ فَائِدَةِ النَّظَرِ، وَنَشْرِ الْكَلَامِ. ثُمَّ إِذَا ذَكَرَ مُسْتَنَدَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَدِلِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: وُجُوبُ الْقِيمَةِ لَا يَمْنَعُ الْمَهْرَ، لَكِنَّهُ لَا يَجِبُ، لِأَنَّ الْأَبَ مَلَكَ الْأَمَةَ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُعَارِضَهُ، وَيُبَيِّنَ أَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ، وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُنَاظِرُ الْخَصْمَ فِي مَذْهَبِهِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ.
قَوْلُهُ: " وَيَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِيرَادِهِ عَلَى وَجْهٍ يُغَيِّرُ الْكَلَامَ عَنْ ظَاهِرِهِ، إِذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَهُوَ كَالتَّسْلِيمِ ".
أَيْ: يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِيرَادِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ عَلَى وَجْهٍ يُغِيِّرُ كَلَامَ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ " وَجُودَهُ كَعَدَمِهِ "، وَلَوْ عُدِمَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ لَانْقَطَعَ، فَكَذَا إِذَا أَتَى بِهِ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِتَغَيُّرِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، صَارَ كَالْمُنَاظِرِ لِنَفْسِهِ كَمَا سَبَقَ التَّقْسِيمُ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا.
مِثْلَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْحَنْبَلِيُّ: " الْخَلُّ مَائِعٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ كَالْمَرَقِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: أَقُولُ " بِمُوجَبِهِ، وَهُوَ أَنَّ " الْخَلَّ النَّجِسَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ " عِنْدِي، فَلَا يُسْمَعُ هَذَا مِنْهُ، " لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ " عَقْلًا وَعُرْفًا وَشَرْعًا إِنَّمَا هُوَ " الْخَلُّ الطَّاهِرُ "، أَمَّا النَّجِسُ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، فَصَارَ " كَالنَّقْضِ الْعَامِّ " عَلَى الْعِلَّةِ، لِأَنَّ النَّجِسَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِإِزَالَتِهِ لِلنَّجَاسَةِ قَائِلٌ؛ صَارَ مَرْفُوضًا لَا يُفْرَضُ فِيهِ نِزَاعٌ، وَلَا يُوَجَّهُ إِلَيْهِ نَظَرٌ، " كَالْعَرَايَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute