للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سِوَى هَذَا الْمُخَالِفِ - «عَلَى عَدَمِ تَكْلِيفِ الْعَامَّةِ ذَلِكَ» - يَعْنِي الِاجْتِهَادَ فِي الْفُرُوعِ - فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى عَامِيٍّ اتَّبَعَ مُفْتِيًا فِيمَا أَفْتَاهُ سَوَاءَ ذَكَرَ لَهُ الدَّلِيلَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «الْمُخْطِئَ فِيهَا» ، أَيْ: فِي الْفُرُوعِ «مُثَابٌ» ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الْحَاكِمِ يُخْطِئُ فَلَهُ أَجْرٌ. وَحِينَئِذٍ لَا مَحْذُورَ فِي تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ فِيهَا، لِأَنَّهُ فِي تَقْلِيدِهِ كَالْمُجْتَهِدِ فِي اجْتِهَادِهِ، وَالْمُجْتَهِدُ إِذَا أَخْطَأَ فِيهَا لَا مَحْذُورَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْتَثَلَ حُكْمَ الشَّرْعِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ ; هَذَا بِالتَّقْلِيدِ، وَهَذَا بِالِاجْتِهَادِ.

قَوْلُهُ: «قَالُوا» ، أَيِ: احْتَجَّ الْخَصْمُ عَلَى مَنْعِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِلْعَامِّيِّ، بِأَنَّ «الْوَاجِبَ» فِيهَا «الْعِلْمُ أَوْ مَا أَمْكَنَ مِنَ الظَّنِّ» إِذَا تَعَذَّرَ الْعِلْمُ. «وَالْحَاصِلُ» مِنَ الظَّنِّ بِالِاجْتِهَادِ أَكْثَرُ مِنَ الْحَاصِلِ مِنْهُ بِالتَّقْلِيدِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الظَّنُّ الْأَكْثَرُ وَاجِبًا، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْعِلْمُ، وَالْأَقْرَبُ إِلَى الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ وَاجِبٌ، وَإِذَا وَجَبَ الظَّنُّ الْأَكْثَرُ وَجَبَ الِاجْتِهَادُ الَّذِي هُوَ طَرِيقٌ إِلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْعِلْمُ لِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاءِ: ٣٦] ، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: ٣٣] . وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْعِلْمَ إِذَا تَعَذَّرَ، وَجَبَ مَا أَمْكَنَ مِنَ الظَّنِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا بَعْضَ صَاعٍ مِنْ فِطْرَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>