للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا تَقْلِيدَ فِي مَا عُلِمَ كَوْنُهُ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً، كَالْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِيهِ، وَلَا فِي الْأَحْكَامِ الْأُصُولِيَّةِ كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ، وَنَحْوِهِا، لِظُهُورِ أَدِلَّتِهَا فِي نَفْسِ كُلِّ عَاقِلٍ، وَإِنْ مَنَعَ الْعَامِّيَّ عِيُّهُ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْهَا.

وَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ إِنْ عَلِمَ خَطَأَ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَلِّدَهُ، أَوْ أَصَابَتَهُ فِيمَ عَلِمَهَا إِنْ كَانَ لِتَقْلِيدِهِ آخَرَ، فَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْأَوَّلِ، أَوْ بِاجْتِهَادِهِ فِيهِ فَلْيَجْتَهِدْ فِي الْمَطْلُوبِ وَلْيُلْغِ وَاسِطَةَ التَّقْلِيدِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِشْكَالٌ، إِذِ الْعَامِّيُّ لَا يَسْتَقِلُّ بِدَرْكِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّبَهِ لِاشْتِبَاهِهِمَا، لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا ; مَعَ تَفَرُّقِ الْآرَاءِ وَكَثْرَةِ الْأَهْوَاءِ، بَلْ نَحَارِيرُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَسْتَقِلُّونَ بِذَلِكَ، فَإِذَا مُنِعَ مِنَ التَّقْلِيدِ لَزِمَ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ شَيْئًا.

ــ

قَوْلُهُ: «وَلَا تَقْلِيدَ فِيمَا عُلِمَ كَوْنُهُ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً كَالْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ» ، وَهِيَ الشَّهَادَتَانِ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ. «لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ» يَعْنِي الْعَامِّيَّ وَغَيْرَهُ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ، إِذْ التَّقْلِيدُ يَسْتَدْعِي جَهْلَ الْمُقَلِّدِ بِمَا قَلَّدَ فِيهِ، وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ فِيمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ، وَالْعِلْمُ بِهَذِهِ الْأَرْكَانِ بِالضَّرُورَةِ الْحَاصِلَةِ عَنِ التَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُمَا مُرَكَّبَانِ مِنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ كَمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَحْضَةِ.

قَوْلُهُ: «وَلَا فِي الْأَحْكَامِ» ، أَيْ: وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَحْكَامِ «الْأُصُولِيَّةِ» الْكُلِّيَّةِ، «كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ، وَنَحْوِهَا» مِنَ الْقَطْعِيَّاتِ الظَّاهِرَةِ الْأَدِلَّةِ، «لِظُهُورِ أَدِلَّتِهَا فِي نَفْسِ كُلِّ عَاقِلٍ، وَإِنْ مَنَعَ الْعَامِّيَّ عِيُّهُ» ، أَيْ: قُصُورُ عِبَارَتِهِ «مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْهَا» ، أَيْ: عَنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>