. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَإِنَّ الْعَامِّيَّ إِذَا رَأَى هَذَا الْعَالَمَ بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ وَأَنْوَاعِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْإِتْقَانِ، عَلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ لَهُ صَانِعًا، وَإِنْ قَصُرَتْ عِبَارَتُهُ عَنْ تَقْرِيرِ دَلِيلِ الدُّورِ وَالتَّسَلْسُلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ، وَإِذَا رَأَى الْعَالَمَ جَارِيًا عَلَى نِظَامِ الْحِكْمَةِ عَلِمَ أَنَّ صَانِعَهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا مُشَارِكَ، لِمَا عَلِمَ فِي مُسْتَقَرِّ الْعَادَةِ مِنْ أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَفْسَدُ بِتَعَدُّدِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ مِنْ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الَأَنْبِيَاء: ٢٢] ، وَإِذَا رَأَى إِنْسَانًا قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بِشَرْطِهِ ; عَلِمَ صِدْقَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَقْرِيرُ دَلِيلِ النُّبُوَّةِ، وَدَفْعُ الشُّبَهِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: «وَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى امْتِنَاعِ التَّقْلِيدِ فِي الْأُصُولِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُقَلِّدَ إِمَّا أَنْ يَعْلَمَ خَطَأَ مَنْ قَلَّدَهُ أَوْ إِصَابَتَهُ، فَإِنْ عَلِمَ خَطَأَهُ، «لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَلِّدَهُ» فِي الْخَطَأِ كَمَا فِي الْفُرُوعِ وَأَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ إِصَابَتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَهَا بِتَقْلِيدٍ آخَرَ، أَوْ بِاجْتِهَادِهِ هُوَ، فَإِنْ عَلِمَهَا بِتَقْلِيدِ شَخْصٍ آخَرَ قُلْنَا: الْكَلَامُ فِي هَذَا الشَّخْصِ الْآخَرِ، كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي قَلَّدْتُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: بِمَ عَلِمْتَ إِصَابَةَ هَذَا الَّذِي قَلَّدْتَهُ، بِتَقْلِيدِكَ فِي ذَلِكَ غَيْرَكَ، أَوْ بِاجْتِهَادِكَ؟ وَيَتَسَلْسَلُ التَّعْلِيلُ، أَوْ يَنْتَهِي إِلَى الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُقَلِّدُ إِصَابَةَ مَنْ قَلَّدَهُ بِاجْتِهَادِهِ «فَلْيَجْتَهِدْ فِي الْمَطْلُوبِ وَلْيُلْغِ وَاسِطَةَ التَّقْلِيدِ» ، فَنَقُولُ لَهُ: إِذَا كَانَ لَكَ أَهْلِيَّةٌ تَعْلَمُ بِهَا إِصَابَةَ مَنْ تُقَلِّدُهُ مِنْ خَطَئِهِ، فَاجْتَهِدْ أَنْتَ فِيمَا قَلَّدْتَ فِيهِ، وَأَلْغِ وَاسِطَةَ التَّقْلِيدِ، أَيْ: لَا تَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اعْتِقَادِكَ وَاسِطَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute