للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ فِي «الرَّوْضَةِ» ، وَإِنَّمَا نَقَلْتُهَا وَالَّتِي قَبْلَهَا فِيمَا أَظُنُّ مِنْ جَدَلِ ابْنِ الْمَنِّيِّ الْمُسَمَّى «جَنَّةُ النَّاظِرِ وَجُنَّةُ الْمَنَاظِرِ» . وَقَوْلُهُ: «مِنْ غَيْرِ تَمَسُّكٍ بِدَلِيلٍ» أَحْسَبُ أَنِّي أَنَا زِدْتُهُ قَيْدًا فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْجَبَّارِ يَقُولُ: إِنَّ التَّرْجِيحَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْمَذَاهِبِ بِحَيْثُ يُقَالُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ.

حُجَّةُ عَبْدِ الْجَبَّارِ: أَنَّ الْمَذَاهِبَ آرَاءٌ وَاعْتِقَادَاتٌ مُسْنَدَةٌ إِلَى الْأَدِلَّةِ وَالْأَمَارَاتِ، وَهِيَ تَتَفَاوَتُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَجَازَ دُخُولُ التَّرْجِيحِ فِيهَا، كَالْأَدِلَّةِ.

حُجَّةُ الْمَانِعِينَ تَتَّجِهُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَذَاهِبَ لِتَوَافُرِ انْهِرَاعِ النَّاسِ إِلَيْهَا وَتَعْوِيلِهِمْ عَلَيْهَا صَارَتْ كَالشَّرَائِعِ وَالْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الشَّرَائِعِ.

قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ انْهِرَاعَ النَّاسِ إِلَيْهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا ظَنِّيَّةً تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تُشْبِهُ الشَّرَائِعَ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَحَاسِنِ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ جَمِيعِهَا قَاطِعًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: لَوْ كَانَ لِلتَّرْجِيحِ مَدْخَلٌ فِي الْمَذَاهِبِ لَاضْطَرَبَتِ النَّاسُ وَلَمْ يَسْتَقِرْ أَحَدٌ عَلَى مَذْهَبٍ، إِذْ كَانَ كُلَّمَا ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُ مَذْهَبٍ دَخَلَ فِيهِ وَتَرَكَ مَذْهَبَهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْجِيحِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَمَا سَبَقَ فِي تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>