للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَاللَّازِمُ مِنْهُ مُلْتَزِمٌ، وَكُلُّ مَنْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُ مَذْهَبٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْأَخْذُ بِأَرْجَحِ الدَّلِيلَيْنِ. وَقَدْ بَيَّنَّا اتِّجَاهَ الرُّجْحَانِ فِي الْبَيِّنَاتِ وَالْتِزَامَهُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ لَيْسَ مُتَمَحِضًا فِي الْخَطَأِ وَلَا فِي الصَّوَابِ، بَلْ هُوَ مُصِيبٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، مُخْطِئٌ فِي بَعْضِهَا. وَعَلَى هَذَا، فَالْمَذْهَبَانِ لَا يَقْبَلَانِ التَّرْجِيحَ لِإِفْضَاءِ ذَلِكَ إِلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، أَوْ بَيْنَ خَطَأَيْنِ وَصَوَابَيْنِ، وَالْخَطَأُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّرْجِيحِ فِيهِ اتِّفَاقًا.

قُلْتُ: وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ نَفَى التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ: لَا يَصِحُّ تَرْجِيحَ مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ عَلَى مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ آخَرَ لِمَا ذَكَرَ، وَمَنْ أَثْبَتَ التَّرْجِيحَ بَيْنَهُمَا، أَثْبَتَهُ بِاعْتِبَارِ مَسَائِلِهَا الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إِذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدَثِ طَهُورٌ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِهَا أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي إِجْزَاءِ الْبَعِيرِ عَنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَنَحْوُهَا مِنَ الْمَسَائِلِ أَرْجَحُ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي طَهَارَةِ الْأَعْيَانِ بِالِاسْتِحَالَةِ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ الْقَابِلَةِ لِلرُّجْحَانِ وَالْمَرْجُوحِيَّةِ. وَحِينَئِذٍ يَعُودُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، إِذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِنَا: يَجُوزُ التَّرْجِيحُ فِي الْمَذَاهِبِ، وَلَا يَجُوزُ، لِاخْتِلَافِ مَوْضُوعِ الْحُكْمِ بِالْكُلِّ وَالْجُزْءِ، كَمَا يُقَالُ: الزِّنْجِيُّ أَسْوَدُ، الزِّنْجِيُّ لَيْسَ بِأَسْوَدَ حَيْثُ أَثْبَتْنَا السَّوَادَ لِجِلْدِهِ، وَنَفَيْنَاهُ عَنْ أَسْنَانِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>