للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْتُ: فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ بِمَا ذَكَرْتُهُ فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَكَانَ النِّزَاعُ مَعْنَوِيًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ النِّزَاعَ فِي التَّصْوِيبِ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ امْتَنَعَ التَّرْجِيحُ فِي الْمَذَاهِبِ عِنْدَهُ، إِذْ مَاهِيَّةُ الصَّوَابِ أَوِ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ لَا تَرْجِيحَ فِيهِ. وَمَنْ زَعَمَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا اتَّجَهَ التَّرْجِيحُ عِنْدَهُ فِي الْمَذَاهِبِ لِتَتَمَيَّزَ بِالنَّظَرِ الْحُجَّةُ مِنَ الشُّبْهَةِ، وَالرَّاجِحُ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْخَطَأِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ هَهُنَا مَبْنِيًا عَلَى تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ، فَمَنْ يَمْنَعْهُ يَمْنَعِ التَّرْجِيحَ فِي الْمَذَاهِبِ، لِأَنَّ الرُّجْحَانَ فِيهَا بَيِّنٌ مِنْ تَفَاوُتِ أَمَارَاتِهَا، وَمَنْ يُجِيزُهُ يُجِيزُ التَّرْجِيحَ فِي الْمَذَاهِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، إِذْ مَعَ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ يَشْتَبِهُ الصَّوَابُ بِالْخَطَأِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْأَمَارَتَيْنِ لِتَمْيِيزِ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى، وَاحْتِمَالُ التَّعَادُلِ قَائِمٌ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ.

وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ: أَنَّ لِلتَّرْجِيحِ مَدْخَلًا فِي الْمَذَاهِبِ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالِ، فَبِأَنْ نَقُولَ: مَذْهَبُ فُلَانٍ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ فُلَانٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ يَصِحُّ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَلْيَصِحَّ مُطْلَقًا:

أَمَّا الْأُولَى: فَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْجَحُ الْمَذَاهِبِ مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ مَقَايِيسِهِ، وَاعْتِبَارِهِ الْمُنَاسَبَاتِ الْمُؤَثِّرَةَ، وَمَذْهَبُ الْبَاقِينَ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ، وَمَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>