للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَسْلَمُ لِجُمُودِهِ عَلَى الْأَثَرِ، وَمَذْهَبُ الْقَيَّاسِينَ مَرْجُوحٌ لِمُخَاطَرَتِهِمْ بِالتَّصَرُّفِ بِالرَّأْيِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا فَاسِدًا.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَلِأَنَّ التَّرْجِيحَ مُطْلَقًا مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَمَا جَازَ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ جَازَ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ، فَلَمَّا جَازَ رُجْحَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، جَازَ رُجْحَانُهُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَالْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ.

وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلِ، فَبِأَنْ نَقُولَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْ هَذَا الْحُكْمُ فِي مَذْهَبِ فُلَانٍ أَرْجَحُ مِنْهَا - أَوْ مِنْهُ - فِي مَذْهَبِ فُلَانٍ، لِأَنَّ هَذَا - أَعْنِي التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا - لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ لِذَاتِهِ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا. وَمَنِ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

ثُمَّ إِنَّ التَّرْجِيحَ فِي الْمَذَاهِبِ وَاقِعٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ قَطْعًا، وَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اقْتَسَمُوا الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ وَغَيْرَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، كَمَذْهَبِ سُفْيَانَ، وَدَاوُدَ، وَغَيْرِهِمَا. فَكُلُّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِمَذْهَبٍ تَعَبَّدَ بِهِ، وَاتَّخَذَهُ دِينًا، حَتَّى غَلَبَ مَذْهَبُ مَالِكٍ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى غَالِبِ الْبِلَادِ بَيْنَهُمَا، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ عَلَى أَهْلِ جِيلَانَ، فَكُلُّ مَنِ الْتَزَمَ مَذْهَبًا، فَإِنَّمَا هُوَ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ بِتَرْجِيحِهِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنِ الْتَزَمَ أَيَّ مَذْهَبٍ شَاءَ بِذَلِكَ التَّرْجِيحِ، فَكَانَ التَّرْجِيحُ فِي الْمَذَاهِبِ ثَابِتًا بِالْإِجْمَاعِ.

قَوْلُهُ: «وَلَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ» ، أَيْ: وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْقَطْعِيَّاتِ، «إِذْ لَا غَايَةَ وَرَاءَ الْيَقِينِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>