للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْمُتَعَدِّيَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ، إِذِ التَّرْجِيحُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ مَوْجُودَيْنِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقَاصِرَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مُمْكِنٍ، فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّرْجِيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيَاسِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ؟

فَكَانَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فَائِدَةُ ذَلِكَ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِمَا ذَكَرْتُمْ، بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّا إِنْ رَجَّحْنَا الْمُتَعَدِّيَةَ، أَمْكَنَ الْقِيَاسُ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: «وَيُقَدَّمُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ وَالْيَقِينِيُّ عَلَى الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ وَالْإِثْبَاتِيِّ عِنْدَ قَوْمٍ، وَقِيلَ: الْحَقُّ التَّسْوِيَةُ» .

أَيْ: إِذَا تَعَارَضَ قِيَاسَانِ وَالْجَامِعُ فِي أَحَدِهِمَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَفِي الْآخَرِ وَصْفٌ حِسِّيٌّ أَوِ الْجَامِعُ فِي أَحَدِهِمَا حُكْمٌ سَلْبِيٌّ، وَفِي الْآخَرِ حُكْمٌ إِثْبَاتِيٌّ، فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ لَا حِسِّيٌّ، فَكَانَ الِاعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ السَّلْبِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الثُّبُوتِيِّ، لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلْأَصْلِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. هَذَا عِنْدَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَقُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. يَعْنِي الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ مَعَ الْوَصْفِ الْحِسِّيِّ، وَالْحُكْمَ السَّلْبِيَّ مَعَ الْإِثْبَاتِيِّ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا قَامَ عَلَى عِلِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، ثَبَتَتْ عِلِّيَتُهُ، وَالظَّنُّ لَا يَتَفَاوَتُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَاسْتَوَيَا لِعَدَمِ مَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا، وَأَبُو الْخَطَّابِ يُرَجِّحُ الْعِلَّةَ الْحُكْمِيَّةَ، وَالْقَاضِي يُرَجِّحُ الْحِسِّيَّةَ.

قَوْلُهُ: «وَالْمُؤَثِّرُ» ، أَيْ: وَيُرَجَّحُ «الْمُؤَثِّرُ عَلَى الْمُلَائِمِ، وَالْمُلَائِمِ عَلَى الْغَرِيبِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>