للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَإِذَا جَازَ تَعْلِيقُ إِيقَاعِ الْوَعِيدِ بِالْمَشِيئَةِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ صِدْقِ الْإِيعَادِ وُقُوعُ مُقْتَضَاهُ مِنَ الْعِقَابِ لِجَوَازِ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَلَمْ يَشَأْ إِيقَاعَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُنَا: الْوَاجِبُ: مَا تُوُعِّدَ عَلَى تَرْكِهِ، فَاسِدًا كَقَوْلِنَا: الْوَاجِبُ مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ، لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْوَعِيدِ الْوُقُوعَ، فَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: " أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنَ الْكَرَمِ شَاهِدًا " أَيْ: فِيمَا يُشَاهَدُ مِنْ أَحْوَالِ الْعُقَلَاءِ. " فَلَا يَقْبُحُ " يَعْنِي: إِخْلَافَ الْوَعِيدِ " غَائِبًا " أَيْ: فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ غَائِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَإِنْ كَانَ شَاهِدًا لِخَلْقِهِ كَمَا يَشَاءُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

أَمَّا أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنَ الْكَرَمِ فِي الشَّاهِدِ، فَلِإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ عَلَى حُسْنِ الْعَفْوِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ جَوَازِ الْعُقُوبَةِ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِإِخْلَافِ الْوَعِيدِ مُطْلَقًا أَوْ غَالِبًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَرْكُ الْوَعِيدِ إِلَى الْعَفْوِ حَسَنٌ، مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ. بِأَنَّ خَبَرَ النَّاسِ يَجُوزُ إِخْلَافُهُ، بِخِلَافِ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الْخَبَرِ كَذِبٌ، وَالْكَذِبُ قَبِيحٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، خُصُوصًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّ قُبْحَهُ ذَاتِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ. ثُمَّ قَدْ جَازَ إِخْلَافُ الْوَعِيدِ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِي عُرْفِهِمْ، فَكَذَلِكَ إِخْلَافُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ، لَا مِنْ بَابِ الْكَذِبِ، وَفِي هَذَا الْبَابِ أَنْشَدَ عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>