للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَإِنِّيَ إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي

وَأَمَّا أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ لَا يَقْبُحُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَصْلِهِمُ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَنَّ مَا قَبُحَ مِنَ الْخَلْقِ، قَبُحَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا لَا، فَلَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ لَا يَقْبُحُ مِنَ الْخَلْقِ، فَلَا يَقْبُحُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ لَازِمٌ لِقَاعِدَتِهِمْ، وَهِيَ أَنَّ الْأَفْعَالَ حَسَنَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا، أَوْ لِوَصْفٍ قَائِمٍ بِهَا، وَحِينَئِذٍ مَا أَدْرَكَ الْعَقْلُ قُبْحَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْخَلْقِ أَوْ حُسْنَهُ، أَدْرَكَ حُسْنَهُ أَوْ قُبْحَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَقِّ. وَلِهَذَا قَطَعُوا بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُ يَقْبُحُ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا وَيُعَاقِبَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى يَقْبُحُ ذَلِكَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: " ثُمَّ قَدْ حُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ "، جَوَازُ أَنْ يُضْمَرَ فِي الْكَلَامِ مَا يَخْتَلُّ بِهِ مَعْنَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا مِنْهُ ".

هَذَا تَقْرِيرٌ لِجَوَازِ تَعْلِيقِ الْعِقَابِ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى مَنْ يَسْتَبْعِدُهُ، وَإِلْزَامٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ بِمِثْلِهِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ.

وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ: أَكْثَرُ مَا فِي تَعْلِيقِ الْعِقَابِ بِالْمَشِيئَةِ أَنَّهُ أَضْمَرَ فِي الْكَلَامِ مَا اخْتَلَّ بِهِ مَعْنَى ظَاهِرِهِ، إِذْ قَوْلُهُ: إِنْ تَرَكْتَ الصَّلَاةَ عَاقَبْتُكَ، ظَاهِرُهُ وُقُوعُ الْعِقَابِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ شَاءَ ذَلِكَ.

فَقَوْلُهُ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُعَاقِبَكَ إِنْ شِئْتُ، تَقْيِيدٌ مُخَصِّصٌ رَافِعٌ لِحُكْمِ ظَاهِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>