للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قُلْتُ: تَبَيَّنَ بِهَذَا مَا قُلْتُهُ، مِنْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ وَالتَّخْيِيرَ قِسْمٌ وَاحِدٌ.

ثُمَّ قَالَ الْمُبَرِّدُ فِي الْمِثَالِ: تَقُولُ: جَالِسْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا أَوْ خَالِدًا، أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَهْلٌ لِلْمُجَالَسَةِ، فَإِنْ جَالَسْتَ الْجَمِيعَ، فَأَنْتَ مُطِيعٌ، وَإِنْ جَالَسْتَ وَاحِدًا لَمْ تَعْصِ. فَإِذَا قُلْتُ: خُذْ مِنِّي ثَوْبًا أَوْ دِينَارًا، فَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلٌ لِأَنْ تَأْخُذَهُ، وَلَكِنَّ الْمُعْطِيَ يَمْنَعُكَ، فَإِنَّهُمَا وَاحِدٌ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرَضِيٌّ، إِلَّا أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَانِعًا.

قُلْتُ: قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ الْمُعْطِيَ يَمْنَعُكَ، يَعْنِي الْجَمْعَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالدِّينَارِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْقَائِلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِلَّا قَرِينَةُ الْعُرْفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِلَّا فَلَفْظُ «أَوْ» مَعْنَاهَا فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَوْ: حَرْفٌ، إِذَا دَخَلَ عَلَى الْخَبَرِ دَلَّ عَلَى الشَّكِّ وَالْإِبْهَامِ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، دَلَّ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ. فَالشَّكُّ كَقَوْلِكَ: رَأَيْتُ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، وَالْإِبْهَامُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سَبَأٍ: ٢٤] ، وَالتَّخْيِيرُ، كَقَوْلِكَ: كُلِ السَّمَكَ أَوِ اشْرَبِ اللَّبَنَ، أَيْ: لَا تَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَالْإِبَاحَةُ كَقَوْلِكَ: جَالِسِ الْحَسَنَ أَوِ ابْنَ سِيرِينَ.

قُلْتُ: فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ، حَيْثُ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>