. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الْإِنْسَانِ: ٢٤] ، فَلَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ كَلَامُ أَحَدٍ فِيهِ، إِلَّا الْقَاضِي أَبَا يَعْلَى فِي «الْعُدَّةِ» فَقَالَ: «أَوْ» إِذَا كَانَتْ فِي الْخَبَرِ، فَهِيَ لِلشَّكِّ، وَإِذَا كَانَتْ فِي الطَّلَبِ وَالْأَمْرِ فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ، وَإِذَا كَانَتْ فِي النَّهْيِ، فَقَدْ تَكُونُ لِلْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} . وَقِيلَ: تَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ، لِأَنَّ النَّهْيَ أَمْرٌ بِالتَّرْكِ، وَأَيَّهُمَا تَرَكَ كَانَ مُطِيعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قُلْتُ: أَمَّا التَّخْيِيرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَأْمُورٌ بِمَعْصِيَةِ الْآثِمِ مِنْهُمْ وَالْكَفُورِ جَمِيعًا، فَلَا يَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِمَعْصِيَةِ أَحَدِهِمَا.
وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْآيَةِ، فَالتَّخْيِيرُ مُحْتَمَلٌ، نَحْوَ: لَا تَأْكُلْ خُبْزًا أَوْ تَمْرًا، أَوْ لَا تَصْحَبْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا. أَيْ: أَنْتَ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِ أَوْ صُحْبَةِ أَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا شِئْتَ.
وَمَعْنَى كَوْنِ النَّهْيِ بِأَوْ لِلْجَمْعِ، مَا ذَكَرَهُ الْمُبَرِّدُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [الْبَقَرَةِ: ١٩] ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ أَنْ تَقُولَ: لَا تُجَالِسْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، لَيْسَ فِيهِمَا رِضًى، فَإِنْ جَالَسَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، أَوْ الِاجْتِمَاعِ، فَهُوَ عَاصٍ.
قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ الْحُكْمُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ «أَوْ» فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute