للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ، وَعَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ ذَاتِيَّانِ، أَوْ بِصِفَةٍ، وَهُمَا مَمْنُوعَانِ، بَلْ ذَلِكَ شَرْعِيٌّ، فَلِلشَّرْعِ فِعْلُ مَا شَاءَ مِنْ تَخْصِيصٍ وَإِبْهَامٍ.

ــ

قَوْلُهُ: «قُلْنَا: مَبْنِيٌّ» أَيْ: قُلْنَا هَذَا الدَّلِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لِلْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ أَصْلٌ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا، وَيَكْفِينَا مَنْعُهُ فِي إِبْطَالِ دَلِيلِكُمُ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ تَبَرَّعْنَا بِمُسْتَنَدِ الْمَنْعِ، فَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ أَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَلَزِمَ أَنَّ خَلْقَ الْكُفَّارِ، وَتَسْلِيطَ الشَّيْطَانِ الْمُضِلِّ، وَالشَّهَوَاتِ الْمُسْتَمِيلَةِ لَهُمْ إِلَى الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ، وَافْتِقَارَ الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ، وَتَخْلِيدَ الْجَمِيعِ فِي النَّارِ، أَصْلَحُ لَهُمْ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ، وَقَدِ اضْطُرَّ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي تَمْشِيَةِ هَذَا الْأَصْلِ إِلَى أَنِ الْتَزَمَ أَنَّ تَخْلِيدَ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ أَصْلَحُ لَهُمْ. وَمَذْهَبٌ يَنْتَهِي إِلَى هَذَا الْفَسَادِ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا. وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنَ التَّكْلِيفِ بِخِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ مَصْلَحَةُ الْمُكَلَّفِ، حَتَّى يَنْظُرَ: هَلْ تَسْتَوِي فِي حُصُولِهِ مَصْلَحَتُهُ أَوْ تَتَفَاوَتُ؟ بَلِ الْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ التَّعَبُّدُ الْمَحْضُ. وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَصْلَحَةُ الْمُكَلَّفِ، وُجُوبًا عَلَى قَوْلِهِمْ، أَوْ تَفَضُّلًا عَلَى قَوْلِنَا، لَكِنْ لَا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا اسْتَوَتْ فِي حُصُولِ أَصْلِ الْمَصْلَحَةِ.

وَفَوَّضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى الْمُكَلَّفِ اخْتِيَارَ بَعْضِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ التَّفْوِيضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>