للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نَفْسِهِ، وَفِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَلْيَكُنْ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ هُوَ هُوَ.

الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حِينَ أَوْجَبَهُ، إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، كُلِّيِّهَا وَجَزِّئِيِّهَا، مَاضِيًا وَحَالًا وَمُسْتَقْبَلًا، أَوْ عَلِمَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَابِ هُوَ عَيْنُ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَابِ عَيْنَ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ، فَقَدْ أَوْجَبَهُ مُعَيَّنًا، لِأَنَّهُ عَلِمَهُ مُعَيَّنًا، وَمُتَعَلِّقُهُمَا وَاحِدٌ، فَالْوَاجِبُ مُعَيَّنٌ. وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَابِ غَيْرَ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ، لَزِمَ أَنَّ مَا عَلِمَهُ غَيْرُ مَا أَوْجَبُهُ، فَالْمُكَلَّفُ إِنَّمَا أَدَّى الْمَعْلُومَ لَا الْوَاجِبَ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ، هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَقْصُودُهُمَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ طَرِيقُ تَقْرِيرِهِمَا وَالْعِبَارَةُ فِيهِمَا.

وَالْمُخْتَارُ فِي الْجَوَابِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوجِبُهُ مُعَيَّنًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عِلْمِهِ بِهِ، مُبْهَمًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِينَ، لَكِنَّ مَوْضُوعَ النَّظَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا هُوَ الْإِيجَابُ أَوِ الْوَاجِبُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِينَ لَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ، مِنْ أَنَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خَلْقِهِ تَصْرِيفَيْنِ: تَكْوِينِيٌّ يَجْرِي عَلَيْهِمْ فِيهِ مَا لَا يُطِيقُونَهُ، وَتَكْلِيفِيٌّ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ فِيهِ إِلَّا مَا يُطِيقُونَهُ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ مَا اخْتُصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنَّا، مِنْ عِلْمٍ وَإِرَادَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَ مَوْضُوعَ نَظَرِنَا، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْنَا شَيْئًا مُعَيَّنًا فِي عِلْمِهِ، مُبْهَمًا فِي عِلْمِنَا، وَيَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْجِهَتَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>