. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سُبْحَانَهُ قَدْ عَلِمَهُ مُعَيَّنًا، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ انْقِلَابَ الْعِلْمِ جَهْلًا، فَثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ غَيْرُ مُعَيَّنِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ أَوْجَبَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
وَأَمَّا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ لِلْعِتْقِ، أَوِ الْإِطْعَامِ، أَوِ الْكِسْوَةِ، فَلَيْسَ فِعْلًا لِمَا كَانَ مُعَيَّنًا فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بَلْ هُوَ تَعْيِينٌ لِمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، وَقَدْ عَلِمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ سَيُعَيِّنُهُ بِفِعْلِهِ. فَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلْمُهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَعَلِمَ أَنَّهُ سَيَتَعَيَّنُ، وَالْعِلْمُ أَنَّهُ سَيَتَعَيَّنُ لَيْسَ فِي لَفْظِ «الْمُخْتَصَرِ» دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَوْ أَتَى الْمُكَلَّفُ بِالْجَمِيعِ، أَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ، كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ وَاحِدًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى؟
قُلْتُ: فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا لَا يَرِدُ، لِأَنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ: إِنَّمَا يَكُونُ الْوَاجِبُ وَاحِدًا مُعَيَّنًا فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُعَيِّنُ وَاحِدًا بِفِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَتَى بِالْجَمِيعِ، فَالْمُعَيَّنُ لِلْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَاحِدٌ، وَالزَّائِدُ تَطَوُّعٌ.
قُلْنَا: فَمَنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ، يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا.
قُلْتُ: وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ هَذَا، وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَوَجْهُ الْقَدْحِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يُعَيِّنُ بِفِعْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، بَلْ يُؤَدِّي مَا كَانَ مُتَعَيَّنًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُكَلَّفَ أَدَّى مَا أُوجِبَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالَّذِي أَدَّاهُ مُتَعَيِّنٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute