للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ يَسْتَلْزِمُ التَّرْجِيحَ - وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْمُبَاحِ - لَزِمَ أَنَّ الْمُبَاحَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، فَالْمُبَاحُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ.

وَيَنْتَظِمُ شَكْلُ الدَّلِيلِ هَكَذَا: الْمُبَاحُ لَا تَرْجِيحَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا لَا تَرْجِيحَ فِيهِ فَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، فَالْمُبَاحُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ. أَوْ هَكَذَا: الْمَأْمُورُ يَسْتَلْزِمُ التَّرْجِيحَ، وَكُلُّ مَا اسْتَلْزَمَ التَّرْجِيحَ، فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ اصْطِلَاحِيٍّ، فَالْمَأْمُورُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ اصْطِلَاحِيٍّ، ثُمَّ تَنْعَكِسُ كِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمُبَاحُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ.

قَوْلُهُ: " قَالَ " يَعْنِي: الْكَعْبِيَّ مُحْتَجًّا عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ.

وَتَقْرِيرُ حُجَّتِهِ: أَنَّ الْمُبَاحَ تَرْكُ حَرَامٍ وَهُوَ " أَيْ: تَرْكُ الْحَرَامِ " وَاجِبٌ " فَالْمُبَاحُ وَاجِبٌ. أَمَّا أَنَّ الْمُبَاحَ تَرْكُ حَرَامٍ، فَلِأَنَّهُ مَا مِنْ مُبَاحٍ إِلَّا وَالتَّلَبُّسُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مُحَرَّمٍ، بَلْ مُحَرَّمَاتٍ، كَشُرْبِ الْمَاءِ، وَأَكْلِ الطَّعَامِ، وَالتَّنَزُّهِ فِي الْأَمَاكِنِ بِالْمَشْيِ وَالْحَرَكَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الزِّنَى وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَقَطْعَ الطَّرِيقِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَمَّا أَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، فَبِاتِّفَاقٍ.

قَوْلُهُ: " قُلْنَا يَسْتَلْزِمُهُ " إِلَى آخِرِهِ، هَذَا جَوَابُ حُجَّةِ الْكَعْبِيِّ.

وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُبَاحَ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْحَرَامِ، وَيَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، لَا أَنَّ الْمُبَاحَ هُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ، لِيَصِحَّ قَصْدُ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ فِعْلَهُ يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ، لِيَصِحَّ قَصْدُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَاعِلَ الْمُبَاحِ قَدْ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ تَرْكِ الْحَرَامِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ الْحَرَامِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْمُبَاحِ هُوَ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَامِ؟

وَنَحْنُ ذَكَرْنَا هَذَا تَقْرِيرًا لِدَعْوَانَا، وَإِلَّا فَالْكَعْبِيُّ قَدْ كَفَانَا مُؤْنَةَ ذَلِكَ بِمُوَافَقَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>