للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّانِي: أَنَّ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ يُقَسِّمُ خِطَابَ الشَّرْعِ إِلَى خِطَابِ تَكْلِيفٍ وَخِطَابِ وَضْعٍ، وَهِيَ قِسْمَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ هُوَ التَّكْلِيفُ، وَكَذَلِكَ مَا فُهِمَ مِنْ قِسْمَةِ الْآمِدِيِّ لِلْحُكْمِ مِنْ أَنَّهُ طَلَبِيٌّ وَوَضْعِيٌّ، هُوَ مُتَدَاخِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّ مَقْصُودَ خِطَابِ الْوَضْعِ الطَّلَبُ، إِذْ لَا مَعْنَى لِخِطَابِ الْوَضْعِ، إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ طَلَبَ مِنَّا عِنْدَ قِيَامِ الْأَعْلَامِ الَّتِي نَصَبَهَا، أَوْ عِنْدَ بَعْضِهَا فِعْلًا أَوْ كَفًّا، كَقَوْلِهِ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وُجُودِ الزِّنَى مِنْ هَذَا: رَجْمَهُ، وَعِنْدَ وُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ هَذَا: قَطْعَهُ، وَعِنْدَ مِلْكِ النَّصَّابِ وَوُجُودِ الْحَوْلِ: الزَّكَاةَ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْحَلِفِ وَالْحِنْثِ: الْكَفَّارَةَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.

وَالصَّوَابُ فِي الْقِسْمَةِ أَنْ يُقَالَ: خِطَابُ الشَّرْعِ إِمَّا لَفْظِيٌّ أَوْ وَضْعِيٌّ، أَيْ: إِمَّا ثَابِتٌ بِالْأَلْفَاظِ نَحْوَ: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الْبَقَرَةِ: ٤٣] ، أَوْ عِنْدَ الْأَسْبَابِ وَنَحْوِهَا: كَقَوْلِهِ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَجَبَتْ عَلَيْكُمُ الظُّهْرُ، فَاللَّفْظُ أَثْبَتَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ، وَالْوَضْعُ عَيَّنَ وَقْتَ وُجُوبِهَا.

الثَّالِثُ: قَدْ عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ خِطَابِ اللَّفْظِ وَالْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ.

أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ، فَهُوَ أَنَّ خِطَابَ اللَّفْظِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ، يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ، كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَنَحْوِهَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي شُرُوطِ التَّكْلِيفِ. أَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا يُسْتَثْنَى بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>