للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ، فَكَالنَّائِمِ يُتْلِفُ شَيْئًا حَالَ نَوْمِهِ، وَالرَّامِي إِلَى صَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ وَرَاءَ حَائِلٍ يَقْتُلُ إِنْسَانًا، فَإِنَّهُمَا يُضَمَّنَانِ مَا أَتْلَفَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا، وَكَالْمَرْأَةِ تَحِلُّ بِعَقْدِ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا، وَتَحْرُمُ بِطَلَاقِ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَا تَعْلَمُ.

وَأَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ وَالْكَسْبِ، فَكَالدَّابَّةِ تُتْلِفُ شَيْئًا، وَالصَّبِيِّ أَوِ الْبَالِغِ يَقْتُلُ خَطَأً، فَيَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَالْعَاقِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِتْلَافُ وَالْقَتْلُ مَقْدُورًا وَلَا مُكْتَسَبًا لَهُمْ، وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ عِنْدَ مَوْقِعِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ بِمُطْلَقِ الْإِكْرَاهِ أَوْ مَعَ الْإِلْجَاءِ، كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ.

أَمَّا الْمُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَهُوَ قَاعِدَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ، كَالْقِصَاصِ لَا يَجِبُ عَلَى مُخْطِئٍ فِي الْقَتْلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَحَدُّ الزِّنَى لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ أَيْضًا، وَلَا عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَى لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ، إِذِ الْعُقُوبَاتُ تَسْتَدْعِي وُجُودَ الْجِنَايَاتِ الَّتِي تُنْتَهَكُ بِهَا حُرْمَةُ الشَّرْعِ زَجْرًا عَنْهَا وَرَدْعًا، وَالِانْتِهَاكُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَالْقَادِرُ الْمُخْتَارُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ قَدِ انْتَفَى ذَلِكَ فِيهِ، وَهُوَ شَرْطُ تَحَقُّقِ الِانْتِهَاكِ، فَيَنْتَفِي الِانْتِهَاكُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، فَتَنْتَفِي الْعُقُوبَةُ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهَا.

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: الْأَسْبَابُ النَّاقِلَةُ لِلْأَمْلَاكِ، كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَنَحْوِهَا: يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، فَلَوْ تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مُقْتَضَاهُ لِكَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا بَيْنَ الْعَرَبِ، أَوْ عَرَبِيًّا بَيْنَ الْعَجَمِ، أَوْ طَارِئًا عَلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ مُقْتَضَاهُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النِّسَاءِ: ٢٩] ، وَلَا يَحْصُلُ الرِّضَى إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>