للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«لِمَعَانٍ» ثَلَاثَةٍ:

«أَحَدُهَا: مَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ» ، أَيْ: مَا وُجِدَ عِنْدَهُ «لَا مَحَالَةَ» ، أَيْ: يُوجَدُ عِنْدَهُ قَطْعًا وَلَابُدَّ «وَهُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ مُقْتَضَى الْحُكْمِ وَشَرْطِهِ وَمَحَلِّهِ وَأَهْلِهِ تَشْبِيهًا بِأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ» .

وَذَلِكَ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا: كُلُّ حَادِثٍ، فَلَابُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ إِمَّا مَادِّيَّةٌ: كَالْفِضَّةِ لِلْخَاتَمِ، وَالْخَشَبِ لِلسَّرِيرِ، أَوْ صُورِيَّةٌ: كَاسْتِدَارَةِ الْخَاتَمِ، وَتَرْبِيعِ السَّرِيرِ، أَوْ فَاعِلِيَّةٌ: كَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ، أَوْ غَائِيَّةٌ: كَالتَّحَلِّي بِالْخَاتَمِ، وَالنَّوْمِ عَلَى السَّرِيرِ. فَهَذِهِ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمَجْمُوعُهَا الْمُرَكَّبُ مِنْ أَجْزَائِهَا هُوَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ، فَكَذَلِكَ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الْعِلَّةِ بِإِزَاءِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَالْمُوجِبُ لَهُ لَا مَحَالَةَ هُوَ مُقْتَضِيهِ وَشَرْطُهُ وَمَحَلُّهُ وَأَهْلُهُ.

مِثَالُهُ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَمُقْتَضِيهِ: أَمْرُ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ، وَشَرْطُهُ: أَهْلِيَّةُ الْمُصَلِّي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَمَحَلُّهُ: الصَّلَاةُ، وَأَهْلُهُ: الْمُصَلِّي.

وَكَذَلِكَ حُصُولُ الْمُلْكِ فِي الْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَمُقْتَضِيهِ: حِكْمَةُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا، وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِيهِمَا، وَشَرْطُهُ: مَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَمَحَلُّهُ: هُوَ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَرْأَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَأَهْلُهُ: كَوْنُ الْعَاقِدِ صَحِيحَ الْعِبَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ.

وَافْرِضْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الزِّنَى وَالْقَتْلِ وَالرِّدَّةِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَاتِ فِيهَا أَحْكَامٌ لَهَا مُقْتَضَيَاتٌ وَشُرُوطٌ وَمَحَالٌّ وَأَهْلٌ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>