للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«وَالثَّانِي» ، وَهُوَ الدَّافِعُ، مُبَاشِرٌ لَهُ، فَأَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ السَّبَبَ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْمُبَاشَرَةَ، فَقَالُوا: إِذَا اجْتَمَعَ الْمُتَسَبِّبُ وَالْمُبَاشِرُ، غَلَبَتِ الْمُبَاشَرَةُ، وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ، وَانْقَطَعَ حُكْمُ الْمُتَسَبِّبِ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: لَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ، فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ، فَقَدَّهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتَلَقِّي بِالسَّيْفِ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ، فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ؛ فَابْتَلَعَهُ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُلْقِي؛ لِعَدَمِ قَبُولِ الْحُوتِ لِلضَّمَانِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَكَذَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ، بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ طَارَ؛ فَأَخَذَهُ إِنْسَانٌ مِنَ الْقَفَصِ فِي يَدِهِ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى هَذَا، لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِتَفْوِيتِهِ، وَلَوْ حَلَّ وِعَاءَ مَائِعٍ، بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ سَالَ؛ فَجَاءَ آخَرُ فَدَفَقَهُ؛ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الصُّوَرَ.

وَقَوْلِي: «فَالْأَوَّلُ سَبَبٌ، وَالثَّانِي عِلَّةٌ» : إِشَارَةٌ إِلَى الْحَفْرِ وَالتَّرْدِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ، وَالْمُتَسَبِّبُ وَالْمُبَاشِرُ فَاعِلَانِ.

«الثَّانِي» مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي اسْتُعِيرَ لَهَا لَفْظُ السَّبَبِ شَرْعًا «عِلَّةُ الْعِلَّةِ، كَالرَّمْيِ» ، سُمِّيَ سَبَبًا لِلْقَتْلِ، وَهُوَ - أَعْنِي الرَّمْيَ - عِلَّةُ الْإِصَابَةِ، وَالْإِصَابَةُ عِلَّةٌ لِزَهُوقِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ؛ فَالرَّمْيُ هُوَ عِلَّةُ عِلَّةِ الْقَتْلِ، وَقَدْ سَمَّوْهُ سَبَبًا لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>