للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ يُسْتَعْمَلُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ، وَالْآخَرُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْمُقَابَلَةِ، كَالْمَكْرِ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَكَرَ زَيْدٌ بِعَمْرٍو، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مُقَابَلَةً لِمَكْرِ الْمَخْلُوقِ، نَحْوَ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آلِ عِمْرَانَ: ٥٤] ، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النَّمْلِ: ٥٠] ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إِسْنَادَ الْمَكْرِ إِلَى الْآدَمِيِّ حَقِيقَةٌ، وَإِسْنَادَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ، لِأَنَّ انْفِرَادَ اللَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ دَلِيلُ تَأَصُّلِهِ، وَتَمَكُّنِهِ وَاحْتِيَاجِهِ فِيهِ إِلَى مَا يُقَابِلُهُ دَلِيلٌ عَلَى فَرْعِيَّتِهِ وَتَزَلْزُلِهِ، فَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى مُقَابِلٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ اسْتَجَازُوا مَعَ الْمُقَابَلَةِ مَا لَمْ يَسْتَجِيزُوهُ بِدُونِهَا.

قُلْتُ: الْأَجْوَدُ هُنَا التَّمْثِيلُ بِالنِّسْيَانِ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوقِ بِدُونِ مُقَابِلٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: ١١٥] ، وَفِي حَقِّ فَتَى مُوسَى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الْكَهْفِ: ٦٣] ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا مَعَ الْمُقَابِلِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التَّوْبَةِ: ٦٧] ، {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الْجَاثِيَةِ: ٣٤] ، وَفِي الْحَدِيثِ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، يَقُولُهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَمَّا التَّمْثِيلُ بِالْمَكْرِ فَيَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>