. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الْأَعْرَافِ: ٩٩] ، فَأَسْنَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَكْرَ إِلَى نَفْسِهِ بِدُونِ مُقَابِلٍ، وَإِنَّمَا زَعَمَ أَنَّ الْمَكْرَ لَا يُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ الْمُقَابَلَةِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَكْرَ: هُوَ التَّوَصُّلُ إِلَى الْغَرَضِ خُفْيَةً لِلْعَجْزِ عَنْهُ مُجَاهَرَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ التَّوَصُّلُ إِلَى الْمُرَادِ خُفْيَةً، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْعَجْزِ عَنِ الْمُجَاهَرَةِ، كَمَا فِي الْمَخْلُوقِ، أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُجَاهَرَةِ، كَمَا فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: ١٨٢] ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْمَكْرِ بِهِمْ، مَعَ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى اضْطِرَارِهِمْ إِلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ جَهْرًا، بِالنَّارِ الْمُحْرِقَةِ أَوِ الْمَلَائِكَةِ الْمُسْتَحَثَّةِ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي عَدْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الْجَزَاءَ لَا يُطْلَقُ عَلَى لَفْظِ السَّيِّئَةِ إِلَّا مَعَ الْمُقَابَلَةِ نَحْوَ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشُّورَى: ٤٠] ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: اسْتِحَالَةُ نَفْيِ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَجَوَازُ نَفْيِهِ يَدُلُّ عَلَى الْمَجَازِ.
مِثَالُهُ: أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِنْسَانِ الْبَلِيدِ: لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: لَيْسَ بِحِمَارٍ، فَالْإِنْسَانُ حَقِيقَةٌ فِيهِ لِاسْتِحَالَةِ نَفْيِهِ عَنْهُ، وَالْحِمَارُ مَجَازٌ فِيهِ لِصِحَّةِ نَفْيِهِ عَنْهُ، وَعَكْسُ هَذَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ لِلْحِمَارِ الْحَقِيقِيِّ: لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ بِحِمَارٍ، فَلَفْظُ الْحِمَارِ حَقِيقَةٌ فِيهِ، لِاسْتِحَالَةِ نَفْيِهِ عَنْهُ.
وَتَوْجِيهُ هَذَا مَعَ ظُهُورِهِ، أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مِنَ الْحَقِّ، وَالْحَقَّ هُوَ الثَّابِتُ ثُبُوتًا مُؤَبَّدًا، وَالثَّابِتَ ثُبُوتًا مُؤَبَّدًا يَسْتَحِيلُ زَوَالُهُ وَانْتِفَاؤُهُ.
وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَامَاتٌ غَيْرُ هَذِهِ. هَذَا الَّذِي اتَّفَقَ ذِكْرُهُ مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute