. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فِيهِ.
وَوَجْهُ عَدَمِ مَحَبَّتِي لِتَرْتِيبِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَقُرْبِهِ مِنْ قَلْبِي أَنَّهُ رَتَّبَ كِتَابَهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ، هَكَذَا: حَقِيقَةُ الْحُكْمِ وَأَقْسَامِهِ، ثُمَّ تَفْصِيلُ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، ثُمَّ بَيَانُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفِ فِيهَا، ثُمَّ تَقَاسِيمُ الْأَسْمَاءِ، ثُمَّ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْعُمُومُ وَالِاسْتِثْنَاءُ، وَالشَّرْطُ، وَدَلِيلُ الْخِطَابِ، وَنَحْوِهِ، ثُمَّ الْقِيَاسُ، ثُمَّ حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ.
وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ تَقْدِيمَ تَقَاسِيمِ الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ الْكَلَامُ فِي اللُّغَاتِ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَى فَهْمِهَا، لِوُرُودِهِ بِهَا، لَكِنَّ الْعُذْرَ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ هَذَا أَنَّهُ تَابِعٌ فِي كِتَابِهِ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الْغَزَالِيَّ فِي «الْمُسْتَصْفَى» حَتَّى فِي إِثْبَاتِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي أَوَّلِهِ، وَحَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ رَأَى الْكِتَابَيْنِ: إِنَّ «الرَّوْضَةَ» مُخْتَصَرُ «الْمُسْتَصْفَى» وَيَظْهَرُ ذَلِكَ قَطْعًا فِي إِثْبَاتِهِ الْمُقَدِّمَةَ الْمَنْطِقِيَّةَ، مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ عَادَةِ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْ مُتَابَعَتِهِ عَلَى ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ نُصُوصِ أَلْفَاظِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ.
فَأَقُولُ: إِنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْتَقَطَ أَبْوَابَ «الْمُسْتَصْفَى» ، فَتَصَرَّفَ فِيهَا بِحَسَبِ رَأْيِهِ، وَأَثْبَتَهَا، وَبَنَى كِتَابَهُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَرَ الْحَاجَةَ مَاسَّةً إِلَى مَا اعْتَنَى بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ دَرْجِ الْأَبْوَابِ تَحْتَ أَقْطَابِ الْكِتَابِ، أَوْ أَنَّهُ أَحَبَّ ظُهُورَ الِامْتِيَازِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ بِاخْتِلَافِ التَّرْتِيبِ، لِئَلَّا يَصِيرَ مُخْتَصِرًا لِكِتَابِهِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَصْنَعُ كِتَابًا مُسْتَقِلًّا فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ الَّذِي وَضَعَ فِيهِ أَبُو حَامِدٍ كِتَابَهُ، لِأَنَّ أَبَا حَامِدٍ أَشْعَرِيٌّ شَافِعِيٌّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ حَنْبَلِيٌّ أَثَرِيٌّ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْحُكَمَاءِ الْأَوَائِلِ وَغَيْرِهِمْ، لَا تَكَادُ تَجِدُ لَهُمْ كِتَابًا فِي طِبٍّ أَوْ فَلْسَفَةٍ إِلَّا وَقَدْ ضُبِطَتْ مَقَالَاتُهُ وَأَبْوَابُهُ فِي أَوَّلِهِ، بِحَيْثُ يَقِفُ النَّاظِرُ الذَّكِيُّ مِنْ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا فِي أَثْنَائِهِ مِنْ تَفَاصِيلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute