للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَاجْتَنِبُوهُ، هَذَا الْأَمْرُ عَلَى النَّدْبِ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [الْمَائِدَةِ: ٩١] ، هُوَ صِيغَةُ اسْتِفْهَامٍ لَا يُفِيدُ الْأَمْرَ، فَيَكُونُ الْخَمْرُ عَلَى هَذَا مَكْرُوهًا لَا حَرَامًا، فَإِنَّ هَذَا مُرَاغَمَةٌ لِخِطَابِ الشَّرْعِ، إِذِ الْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الْإِيجَابِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَوَامِرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَصِيغَةُ: هَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ: هِيَ فِي عُرْفِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى: انْتَهُوا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، يَعْنِي الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَيِ: اتْرُكُوهُ وَلَا تُؤْذُوهُ. وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي هَذَا بَيْنَ الْفُرُوعِ الْعَمَلِيَّةِ، وَالْأُصُولِ الْعِلْمِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ.

فَالظَّوَاهِرُ الْوَارِدَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي صِفَاتِ الْبَارِئِ جَلَّ جَلَالُهُ، لَنَا أَنْ نَسْكُتَ عَنْهَا، وَلَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا، فَإِنْ سَكَتْنَا عَنْهَا قُلْنَا: تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ، كَمَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَائِرِ أَعْيَانِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، وَإِنْ تَكَلَّمْنَا فِيهَا، قُلْنَا: هِيَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يَتَرَجَّحُ عَلَيْهَا بِالتَّأْوِيلِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ يَبْقَى فِي ظَوَاهِرِهَا مَا هِيَ؟ فَالْجَهْمِيَّةُ لِقُصُورِ نَظَرِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَحْكَامِ الْإِلَهِيَّةِ، لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهَا إِلَّا الظَّاهِرَ الْمُشَاهَدَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، مِنْ يَدٍ، وَقَدَمٍ وَوَجْهٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ حَرَّفُوهَا عَنْ ظَوَاهِرِهَا إِلَى مَجَازَاتٍ بَعِيدَةٍ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمُرَادُ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ مَعَانٍ، هِيَ حَقَائِقُ فِيهَا، ثَابِتَةٌ لِلَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>