للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ. وَأَمَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ ; فَلِمَا سَبَقَ.

قُلْتُ: ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ قَوْمًا جَعَلُوا الْكَلَامَ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى، مَجَازًا فِي الْعِبَارَةِ، وَأَنَّ قَوْمًا عَكَسُوا ذَلِكَ ; فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ، مَجَازٌ فِي الْمَدْلُولِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَدْلُولِ، مَجَازٌ فِي لَفْظِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا.

وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مَنْقُولَةٌ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ بُرْهَانَ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» - يَعْنِي الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ عِنْدَهُمْ - نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ، قَائِمَةٌ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ. وَيَعْنُونَ بِالنِّسْبَةِ بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ أَيْ: بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُفْرَدَيْنِ، مِنْ تَعَلُّقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ عَلَى جِهَةِ الْإِسْنَادِ الْإِفَادِيِّ، أَيْ: بِحَيْثُ إِذَا عَبَّرَ عَنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ بِلَفْظٍ يُطَابِقُهَا، وَيُؤَدِّي مَعْنَاهَا، كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ إِسْنَادِيًّا إِفَادِيًّا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ أَنَّهُ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ.

وَمَعْنَى قِيَامِ هَذِهِ النِّسْبَةِ بِالْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَا كَشَفَ عَنْهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِ «الْأَرْبَعِينَ» ، هُوَ أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: اسْقِنِي مَاءً ; فَقَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، قَامَ بِنَفْسِهِ تَصَوُّرُ حَقِيقَةِ السَّقْيِ، وَحَقِيقَةِ الْمَاءِ، وَالنِّسْبَةِ الطَّلَبِيَّةِ بَيْنَهُمَا ; فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ، وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ. وَصِيغَةُ قَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً. عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>