للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَبَرَ ; فِيمَا أَحْسِبُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَبَارِ، وَهُوَ الْأَرْضُ الرَّخْوَةُ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ يُثِيرُ الْفَائِدَةَ، كَمَا أَنَّ الْأَرْضَ الْخَبَارَ تُثِيرُ الْغُبَارَ إِذَا قَرَعَهَا الْحَافِرُ.

ثُمَّ الْخَبَرُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِشَارَاتِ الْحَالِيَّةِ مَجَازًا، نَحْوَ: عَيْنَاكَ تُخْبِرُنِي بِكَذَا، وَالْغُرَابُ يُخْبِرُ بِالْفِرَاقِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

تُخَبِّرُنِي الْعَيْنَانِ مَا الصَّدْرُ كَاتِمُ

وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

زَعَمَ الْبَوَارِحُ أَنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا ... وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ

وَحَقِيقَةُ الْخَبَرِ: هُوَ الْقَوْلُ اللِّسَانِيُّ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْإِسْنَادِ الْإِفَادِيِّ، وَمَنْ يُثْبِتُ كَلَامَ النَّفْسِ يُطْلِقُ الْخَبَرَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ فِي الْقَوْلِ اللِّسَانِيِّ أَظْهَرُ ; لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَتَبَادُرِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِلَى الْفَهْمِ. ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَصَوُّرِ مَاهِيَّةِ الْخَبَرِ، أَيْ: الْعِلْمِ بِهِ. فَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: هُوَ بَدِيهِيٌّ ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ صِدْقَ قَوْلِنَا: الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ، وَتَصَوُّرُ الْخَبَرِ الْخَاصِّ مَوْقُوفٌ عَلَى تَصَوُّرِ أَصْلِ الْخَبَرِ، وَمَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْبَدِيهِيُّ يَكُونُ بَدِيهِيًّا.

قُلْتُ: وَهَذَا وَهْمٌ ; لِأَنَّ قَوْلَنَا: الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، لَيْسَتْ خُصُوصِيَّتُهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَبَرًا، حَتَّى يَسْتَلْزِمَ كَوْنُهُ بَدِيهِيًّا كَوْنَ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ بَدِيهِيًّا، بَلْ إِنَّمَا خُصُوصِيَّتُهُ مِنْ جِهَةِ مَدْرَكِهِ، وَهُوَ بَدِيهَةُ الْعَقْلِ، وَمَدَارِكُ الْعُلُومِ تَخْتَلِفُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>