. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَمَّا فِرَقُهُمْ فَثَلَاثٌ:
إِحْدَاهُنَّ: اللَّاأَدْرِيَةُ: نِسْبَةٌ إِلَى اللَّاأَدْرِي، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَا نَعْرِفُ ثُبُوتَ شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَا انْتِفَاءَهُ، بَلْ نَحْنُ مُتَوَقِّفُونَ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ شُبَهِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: رَأَيْنَا الْمَذَاهِبَ ; فَوَجَدْنَا أَهْلَ كُلِّ مَذْهَبٍ يَدَّعُونَ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِصِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ، وَخَصْمُهُمْ يُكَذِّبُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَرُبَّمَا ادَّعَى الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِبُطْلَانِ مَذْهَبِهِمْ ; فَأَوْجَبَ ذَلِكَ التَّوَقُّفَ.
الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: تُسَمَّى الْعِنَادِيَّةُ: نِسْبَةٌ إِلَى الْعِنَادِ ; لِأَنَّهُمْ عَانَدُوا ; فَقَالُوا: نَحْنُ نَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَا مَوْجُودَ أَصْلًا، وَعُمْدَتُهُمْ ضَرْبُ الْمَذَاهِبِ بِبَعْضِ، وَالْقَدْحُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ بِالْإِشْكَالَاتِ الْمُتَّجِهَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، كَقَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ فِي الْوُجُودِ مَوْجُودٌ لَكَانَ إِمَّا مُمْكِنًا أَوْ وَاجِبًا، وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ لِلْإِشْكَالَاتِ الْقَادِحَةِ فِي الْإِمْكَانِ وَالْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَ الْجِسْمُ مَوْجُودًا، لَكَانَ قَبُولُهُ لِلِانْقِسَامِ ; إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَنَاهِيًا، أَوْ لَا. وَالْأَوَّلُ: بَاطِلٌ لِأَدِلَّةِ نُفَاةِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَالثَّانِي: بَاطِلٌ لِأَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ.
الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ: تُسَمَّى الْعِنْدِيَّةُ، نِسْبَةٌ إِلَى لَفْظِ عِنْدَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَحْكَامُ الْأَشْيَاءِ تَابِعَةٌ لِاعْتِقَادَاتِ النَّاسِ فِيهَا ; فَكُلُّ مَنِ اعْتَقَدَ شَيْئًا ; فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا هُوَ عِنْدَهُ وَفِي اعْتِقَادِهِ ; فَالْعَالَمُ مَثَلًا قَدِيمٌ عِنْدَ مَنِ اعْتَقَدَ قِدَمَهُ، مُحْدَثٌ عِنْدَ مَنِ اعْتَقَدَ حُدُوثَهُ، كَالصَّفْرَاوِيِّ: يَجِدُ السُّكَّرَ فِي فَمِهِ مُرًّا، وَغَيْرِهِ يَجِدُهُ حُلْوًا ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ تَابِعَةٌ لِلْإِدْرَاكَاتِ.
هَذِهِ فِرَقُ السُّوفِسْطَائِيَّةِ وَمَقَالَاتُهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مُنَاظَرَتِهِمْ ; فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute