للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَدْ حَصَّلْتُمُوهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحَوَاسِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا، لَكَانَ هَذَا الْحَصْرُ عَلَى ظَنٍّ، لَكِنَّ الظَّنَّ لَا يُفِيدُ فِي هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْعَمَلِيَّاتِ.

قَوْلُهُ: «قَالُوا لَوْ أَفَادَ الْعِلْمَ» ، لَاشْتَرَكْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ ; خُصُوصًا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَلَوِ اشْتَرَكْنَا جَمِيعًا فِي حُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ لَمَا خَالَفْنَاكُمْ فِيهِ ; لِاضْطِرَارِ حُصُولِ الْعِلْمِ لَنَا إِلَى الْمُوَافَقَةِ، كَمَا أَنَّا لَمَّا شَارَكْنَاكُمْ فِي الْعُلُومِ الْحِسِّيَّةِ لَمْ نُخَالِفْكُمْ فِيهَا، فَلَمَّا لَمْ نُشَارِكْكُمْ فِي الْعِلْمِ التَّوَاتُرِيِّ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ.

قَوْلُهُ: قُلْنَا: عِنَادٌ وَاضْطِرَابٌ فِي الْعَقْلِ، هَذَا جَوَابُ دَلِيلِهِمْ.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ مُخَالَفَتَكُمْ لَنَا فِي إِفَادَةِ التَّوَاتُرِ الْعِلْمَ ; إِمَّا عِنَادٌ مِنْكُمْ، أَوِ اضْطِرَابٌ فِي عُقُولِكُمْ أَوْ طِبَاعِكُمْ، كَمَا يُخَالِفُ فِي الْحِسِّيَّاتِ لِاضْطِرَابِ عَقْلِهِ وَمِزَاجِهِ أَوْ حَوَاسِّهِ، نَحْوَ: مَنْ يَجِدُ طَعْمَ الْعَسَلِ مُرًّا، لِغَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ يَلْزَمُكُمْ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا إِلْزَامٌ عَلَى مُقْتَضَى دَلِيلِهِمْ.

وَتَقْرِيرُهُ: إِنْ لَزِمْنَا إِنْكَارُ إِفَادَةِ التَّوَاتُرِ الْعِلْمَ بِمُخَالَفَتِكُمْ لَنَا، لَزِمَكُمْ إِنْكَارُ إِفَادَةِ الْمَحْسُوسَاتِ الْعِلْمَ: بِمُخَالَفَةِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ لَكُمْ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ; فَمَا أَجَبْتُمْ بِهِ السُّوفِسْطَائِيَّةَ عَنْ إِفَادَةِ الْحَوَاسِّ الْعِلْمَ ; فَهُوَ جَوَابُنَا لَكُمْ عَنْ إِفَادَةِ التَّوَاتُرِ الْعِلْمَ.

تَنْبِيهٌ: وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ السُّوفِسْطَائِيَّةِ هَا هُنَا ; فَلْنَذْكُرْ هَذِهِ النِّسْبَةَ، وَفِرَقَ أَهْلِهَا وَمَذَاهِبَهُمْ، تَكْمِيلًا لِفَائِدَةِ النَّاظِرِ.

أَمَّا نِسْبَتُهُمْ فَهِيَ لِتَجَاهُلِهِمْ ; لِأَنَّ سَفْسَطَ، أَيْ: تَجَاهَلَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَجَاهُلِهِمْ، وَقِيلَ: لِهَذَيَانَاتِهِمْ، يُقَالُ: سَفْسَطَ فِي الْكَلَامِ، إِذَا هَذَى فِي كَلَامِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>