. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَظَرِيًّا ; فَيَكُونُ ضَرُورِيًّا، وَهَذَا الْوَجْهُ بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعِلْمَ «الضَّرُورِيَّ مَا اضْطُرَّ الْعَقْلُ إِلَى التَّصْدِيقِ بِهِ، وَهَذَا» ، أَيِ الْعِلْمُ التَّوَاتُرِيُّ، كَذَلِكَ فَيَكُونُ ضَرُورِيًّا ; لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنِ اضْطِرَارِ الْعَقْلِ إِلَى التَّصْدِيقِ بِهِ، أَوْ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِمَّنْ بَلَغَهُ وُجُودُ مَكَّةَ بِالتَّوَاتُرِ، فِي أَنَّ عَقْلَهُ يَضْطَرُّهُ إِلَى التَّصْدِيقِ بِهِ.
قَوْلُهُ: «الثَّانِي» ، أَيِ احْتَجَّ الثَّانِي، وَهُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْعِلْمَ التَّوَاتُرِيَّ نَظَرِيٌّ، بِأَنَّهُ «لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا، لَمَا افْتَقَرَ إِلَى النَّظَرِ» ، لَكِنَّهُ افْتَقَرَ إِلَى النَّظَرِ ; فَلَا يَكُونُ ضَرُورِيًّا. أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ، أَعْنِي: افْتِقَارَ هَذَا الْعِلْمِ إِلَى النَّظَرِ ; فَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى الْإِخْبَارِ بِوُجُودِ مَكَّةَ مَثَلًا.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ يَمْتَنِعُ عَادَةً ; فَلَزِمَ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ حُصُولُ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِطَرِيقِ الْإِنْتَاجِ الْقِيَاسِيِّ.
وَتَقْرِيرُهُ عَلَى الْوَجْهِ الصِّنَاعِيِّ أَنَّ وُجُودَ مَكَّةَ مَثَلًا، أَخْبَرَ بِهِ جَمْعٌ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً، وَكُلُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ جَمْعٌ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً ; فَهُوَ مَعْلُومٌ ; فَوُجُودُ مَكَّةَ مَعْلُومٌ، وَلَا نَعْنِي بِالْعِلْمِ النَّظَرِيِّ إِلَّا هَذَا.
قُلْتُ: وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ حُصُولُ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى النَّظَرِ فِيهَا حَاصِلَةٌ فِي أَوَائِلِ الْفِطْرَةِ ; فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى كَبِيرِ تَأَمُّلٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُسَمَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute