للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حَادِثًا، وَبِالْعَكْسِ فِيهِمَا. بِخِلَافِ قَوْلِنَا: الْعَالِمُ حَادِثٌ، أَوْ لَيْسَ بِقَدِيمٍ ; فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّصْدِيقِ بِهِ مِنْ وَاسِطَةٍ ; فَنَقُولُ: الْعَالَمُ مُؤَلَّفٌ، وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ مُحْدَثٌ، أَوْ لَيْسَ بِقَدِيمٍ.

قَوْلُهُ: «وَالضَّرُورِيُّ مُنْقَسِمٌ إِلَيْهِمَا» ، أَيِ: الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ مُنْقَسِمٌ إِلَى الْبَدِيهِيِّ، الَّذِي يُدْرَكُ بِالْبَدِيهَةِ، مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى وَاسِطَةِ نَظَرٍ، وَإِلَى مَا اضْطُرَّ الْعَقْلُ إِلَى التَّصْدِيقِ بِهِ بِوَاسِطَةِ النَّظَرِ.

قَوْلُهُ: «فَدَعْوَى كُلٍّ» ، أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، «غَيْرُ دَعْوَى الْآخَرِ» ، هَذَا بَيَانٌ لِعَدَمِ تَوَارُدِ حُجَّةِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى مَوْرِدٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقُولُ: هُوَ ضَرُورِيٌّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْوَسَاطَةِ الْبَيِّنَةِ، وَالْآخِرُ يَقُولُ: لَيْسَ بَدِيهِيًّا غَنِيًّا عَنِ الْوَاسِطَةِ مُطْلَقًا.

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوَافِقٌ لِلْآخَرِ عَلَى قَوْلِهِ، «وَالْجَزْمُ بِهِ حَاصِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ» ، أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ يَقُولُ: إِنَّ التَّوَاتُرَ مُفِيدٌ الْعِلْمَ الْجَازِمَ، لَكِنْ تَنَازَعَا فِي تَسْمِيَتِهِ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا.

قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ عِنْدَ ذِكْرِنَا لِلْعَمَلِ أَنَّهُ الْحُكْمُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِمُوجَبٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْمُوجَبَ إِمَّا عَقْلٌ، أَوْ سَمْعٌ، أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا، وَهُوَ التَّوَاتُرُ ; لِتَرَكُّبِهِ مِنْ نَقْلِ النَّقَلَةِ، وَنَظَرِ السَّامِعِ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ ; فَصَارَ التَّوَاتُرُ كَالْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ ; فَلِذَلِكَ وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ، وَعَلَى هَذَا يَتَرَتَّبُ تَقْسِيمُ الْعِلْمِ إِلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ. وَالْقَطْعِيُّ: إِمَّا بَدِيهِيٌّ مَحْضٌ، أَوْ نَظَرِيٌّ مَحْضٌ، أَوْ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ التَّوَاتُرِيُّ، كَمَا قَدْ رَأَيْتَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>