. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ; فَالْقَرَائِنُ الْمُحْتَفَّةُ بِالْخَبَرِ تَقُومُ مَقَامَ آحَادِ الْمُخْبِرِينَ فِي إِفَادَةِ الظَّنِّ وَتَزَايُدِهِ ; لِأَنَّا نَجِدُ تَأْثِيرَهَا فِي أَنْفُسِنَا بِالضَّرُورَةِ، وَإِذَا كَانَتْ بِمَثَابَةِ الْمُخْبِرِينَ ; جَازَ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَهَا ; لِأَنَّ مُخْبِرًا وَاحِدًا مَعَ عِشْرِينَ قَرِينَةً يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ مُخْبِرًا، بَلْ رُبَّمَا أَفَادَتِ الْقَرِينَةُ الْوَاحِدَةُ مَا لَا يُفِيدُهُ خَبَرُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُخْبِرِينَ، بِحَسْبَ ارْتِبَاطِ دَلَالَتِهَا بِالْمَدْلُولِ عَلَيْهِ عَقْلًا.
قَوْلُهُ: «كَمَنْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ بِمَوْتٍ مَرِيضٍ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا مِثَالُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ بِمَوْتٍ مَرِيضٍ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مُشْفٍ عَلَى الْمَوْتِ، «ثُمَّ مَرَرْنَا بِبَابِ ذَلِكَ الْمَرِيضِ ; فَرَأَيْنَا عَلَيْهِ تَابُوتًا» ، أَيْ: نَعْشًا، وَصُرَاخًا وَعَوِيلًا دَاخِلَ الدَّارِ، وَانْتِهَاكَ حَرِيمٍ ; فَإِنَّا نَجْزِمُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ الَّذِي أُخْبِرْنَا بِمَوْتِهِ.
وَقَوْلُهُ: «وَلَوْلَا إِخْبَارُ الْمُخْبِرِ لَجَوَّزَ مَوْتَ آخَرَ» ، هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِعِلْمِنَا بِمَوْتِ الْمَرِيضِ الْمَذْكُورِ هُوَ خَبَرُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ، بَلِ الْمُوجِبُ لَهُ تِلْكَ الْقَرَائِنُ الَّتِي رَأَيْنَاهَا.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعِلْمِ بِمَوْتِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ مَعَ تِلْكَ الْقَرَائِنِ، لَا الْقَرَائِنُ بِمَجَرَّدِهَا، أَنَّهُ لَوْلَا خَبَرُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ، لَمَا اخْتُصَّ الْعِلْمُ بِمَوْتِ ذَلِكَ الْمَرِيضِ الْمُعَيَّنِ، بَلْ كُنَّا نُجَوِّزُ مَوْتَ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْمَذْكُورَةَ، إِنَّمَا أَفَادَتْنَا أَنَّ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَيِّتًا لَا بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا خُصُوصِيَّةِ كَوْنِهِ فُلَانًا الْمَرِيضَ بِعَيْنِهِ ; فَإِنَّمَا اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ ; فَالْقَرَائِنُ مُفِيدَةٌ لِأَصْلِ الْمَوْتِ، وَالْخَبَرُ مُفِيدٌ لِتَعْيِينِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَرَائِنَ كَالْمُخْبِرِينَ، وَلَوْ أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ أَنَّ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَيِّتًا، ثُمَّ أَخْبَرَنَا آخَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمَذْكُورَ هُوَ فُلَانٌ، لَحَصَلَ لَنَا الْعِلْمُ بِمَوْتِ فُلَانٍ، مُسْتَنِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute