للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْمُشْبِعِ وَالْمُرْوِي ابْتِدَاءً، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَلَا يَعْلَمُ الْقَدْرَ الْكَافِي لَهُ فِي الشِّبَعِ وَالرِّيِّ قَبْلَ أَنْ يَشْبَعَ، لَكِنْ إِذَا شَبِعَ وَرَوِيَ، عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ تَنَاوَلَ مِنَ الطَّعَامِ قَدْرًا مُشْبِعًا، وَمِنَ الشَّرَابِ قَدْرًا مُرْوِيًا ; فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ، لَا نَعْلَمُ مِقْدَارَ الْعَدَدِ الْمُحَصِّلِ لِلْعِلْمِ مَا هُوَ، فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ، عَلِمْنَا حُصُولَ الْعَدَدِ الْمُحَصِّلِ لِلْعِلْمِ ; لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِحُصُولِ الْعِلْمِ وَشَرْطٌ لَهُ، وَالْمَشْرُوطُ وَالْمَلْزُومُ يَدُلَّانِ عَلَى وُجُودِ اللَّازِمِ وَالشَّرْطِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: «وَلَا دَوْرَ» ، إِذْ حُصُولُ الْعِلْمِ مَعْلُولُ الْإِخْبَارِ وَدَلِيلُهُ، كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَعْلُولُ الْمُشْبِعِ وَالْمُرْوِي وَدَلِيلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ ابْتِدَاءً - أَيْ عِنْدِ ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ - الْقَدْرُ الْكَافِي مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ: «وَمَا ذَكِرَ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ» ، يَعْنِي مَا سَبَقَ مِنَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَمَا بَعْدَهَا، «تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ» ; لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَخْلُقُ الْعِلْمَ عِنْدَ حُصُولِ الْعَدَدِ الْمُخْبِرِ، وَلَيْسَ الْعِلْمُ مُتَوَلِّدًا عَنْ خَبَرِ التَّوَاتُرِ، كَمَا قَالَ شُذُوذٌ مِنَ النَّاسِ ; لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ مُمْكِنٌ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ فَهُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، وَكُلُّ مَقْدُورٍ لَهُ ; فَإِنَّمَا يُوجَدُ بِإِيجَادِهِ، وَحُصُولُ الْعِلْمِ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ فَيَكُونُ مَوْجُودًا بِإِيجَادِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ التَّوَاتُرِيَّ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى ; جَازَ أَنْ يَخْلُقَهُ عِنْدَ إِخْبَارِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ; فَمَا مِنْ عَدَدٍ يُفْرَضُ إِلَّا وَخَلْقُ الْعِلْمِ مُمْكِنٌ عِنْدَ أَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرَ، وَإِذَا كَانَ الْمُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ الْخَلْقَ ; فَعَدَدُ التَّوَاتُرِ سَبَبٌ مُعْتَادٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>