للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، أَوِ النَّصَارَى، أَوْ غَيْرُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَحَصَلَتْ شُرُوطُ التَّوَاتُرِ فِيهِمْ ; لَجَازَ أَنْ يَحْصُلَ لَنَا الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ، وَذَلِكَ يَنْفِي اشْتِرَاطَ اتِّحَادِ الدِّينِ، وَلِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعِلْمَ التَّوَاتُرِيَّ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ إِخْبَارِ الْمُخْبِرِينَ، وَكَمَا جَازَ أَنْ يَخْلُقَهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْبَلَدِ، جَازَ أَنْ يَخْلُقَهُ مَعَ اتِّحَادِهَا.

وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ الْيَهُودُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - لِيَقْدَحُوا فِي أَخْبَارِ النَّصَارَى بِمُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ، وَفِي أَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ بِمُعْجِزَاتِ مُحَمَّدٍ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مُنْحَصِرَةٌ فِي دِينٍ وَاحِدٍ. أَمَّا الْيَهُودُ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ ; فَقَدْ أَمِنُوا ذَلِكَ ; لِأَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ يُوَافِقُونَهُمْ فِي الْمُخْبِرِينَ عَلَى مُعْجِزَاتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَبُّوتِهِ، وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِي الْمُخْبِرِينَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الذِّلَّةِ، يَعْنِي: لِيُمْكِنَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ لَوْ كَذَّبُوا، بِخِلَافِ مَنْ لَهُ عِزٌّ وَمَنَعَةٌ وَظُهُورٌ ; فَإِنَّهُ يُخْشَى مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِ ; فَجَعَلُوا هَذَا الشَّرْطَ قَادِحًا فِي أَخْبَارِ النَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ عَنْ مُعْجِزَاتِ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ; لِأَنَّ الْيَهُودَ مُنْذُ آذَوُا الْمَسِيحَ، اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِمُ النَّصَارَى ; فَأَذَلَّتْهُمْ وَقَمَعَتْهُمْ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، فَلَمْ يَزَالُوا مَعَهُمْ أَذِلَّةً حَتَّى ظَهَرَ مُحَمَّدٌ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَآذَوْهُ وَكَذَّبُوهُ ; فَأَكْمَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِلَّتَهُمْ بِهِ وَقَرَّرَهَا ; فَهِيَ كَذَلِكَ حَتَّى السَّاعَةِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، جَعَلُوا عِزَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتَهُمْ مَظِنَّةَ تُهْمَةٍ قَادِحَةٍ فِي أَخْبَارِهِمْ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

قَوْلُهُ: «وَلَا عَدَمُ اعْتِقَادِ نَقِيضِ الْمُخْبَرِ بِهِ، خِلَافًا لِلْمُرْتَضَى» ، أَيْ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إِفَادَةِ التَّوَاتُرِ الْعِلْمَ خُلُوُّ السَّامِعِ مَنْ نَقِيضِ الْمُخْبَرِ بِهِ، بَلْ سَوَاءٌ كَانَ السَّامِعُ يَعْتَقِدُ نَقِيضَ الْمُخْبَرِ بِهِ، أَوْ لَا يَعْتَقِدُهُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالتَّوَاتُرِ حَاصِلٌ بِحُكْمِ إِجْرَاءِ اللَّهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>