للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَا وَقَعَ، وَقَوْلُهُمْ لِمَا وَقَعَ: إِنَّهُ مَا وَقَعَ ; كَذِبٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، وَهَذَا كَذَلِكَ ; فَكَذَلِكَ الْكِتْمَانُ الَّذِي هُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِمْ: مَا وَقَعَ.

أَمَّا أَنَّ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ مُحَالٌ ; فَلِمَا سَيَأْتِي عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «لَنَا: أَنَّهُ كَتَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهُوَ مُحَالٌ» .

قَوْلُهُ: «قَالُوا: تَرْكُ النَّصَارَى نَقَلَ كَلَامِ عِيسَى فِي الْمَهْدِ» . هَذِهِ شُبْهَةُ الْإِمَامِيَّةِ عَلَى جَوَازِ كِتْمَانِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَى نَقْلِهِ.

وَتَقْرِيرُهَا: أَنِ النَّصَارَى تَرَكُوا نَقْلَ كَلَامِ عِيسَى فِي الْمَهْدِ، حَتَّى لَمْ يَتَوَاتَرْ عِنْدَهُمْ، مَعَ أَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَى نَقْلِهِ، وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَيْهِ ; فَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الدَّعْوَى قَدْ وَقَعَتْ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الدَّعْوَى.

قَوْلُهُ: «قُلْنَا: لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ وَاتِّبَاعِهِمْ لَهُ» ، هَذَا جَوَابٌ عَنْ شُبَهِهِمْ، وَهُوَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمَهْدِ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ، وَالدَّوَاعِي إِنَّمَا تَتَوَفَّرُ عَلَى نَقْلِ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.

قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمَهْدِ كَانَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ، وَالدَّوَاعِي تَتَوَفَّرُ عَلَى نَقْلِ مِثْلِهِ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّاقِلُونَ أَتْبَاعًا لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ أَنَّ حَاضِرِي كَلَامِ الْمَسِيحِ فِي الْمَهْدِ لَمْ يَكُونُوا كَثِيرِينَ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ، بَلْ إِنَّمَا كَانُوا زَكَرِيَّا وَأَهْلَ مَرْيَمَ، وَمَنْ يُخْتَصُّ بِهِمْ ; فَلِذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ مُتَوَاتِرًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَوَاتُرِهِ عَدَمُ نَقْلِهِ مُطْلَقًا، لِجَوَازِ أَنَّهُمْ نَقَلُوهُ وَلَمْ يَتَوَاتَرْ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوهُ، بَلْ نَقَلُوهُ، وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَهُمْ فِي إِنْجِيلِ الصَّبْوَةِ، يَعْنِي الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ أَحْوَالُ عِيسَى فِي صَبْوَتِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>