للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «وَتَبْلِيغُهُ كَذَلِكَ تَوَاتُرِيٌّ» ، أَيْ: تَبْلِيغُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْأَحْكَامَ بِطَرِيقِ الْآحَادِ ثَابِتٌ بِالتَّوَاتُرِ، وَقَدْ صَدَّرْنَا الدَّلِيلَ بِهَذَا.

قَوْلُهُ: «فَإِنْ قِيلَ» ، إِلَى آخِرِهِ، هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مِنَ الْخَصْمِ.

وَتَقْرِيرُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُبَلِّغُهَا النَّاسَ كَانَتْ آحَادًا، بَلِ اقْتَرَنَ بِهَا مَا أَفَادَ الْعِلْمَ مِنَ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا أَفَادَ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ كَانَ وَاسِطَةً بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالْآحَادِ، لَا تَوَاتُرًا وَلَا آحَادًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى فِي تَبْلِيغِهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُجَرَّدِ.

قَوْلُهُ: «قُلْنَا» ، إِلَى آخِرِهِ، هَذَا جَوَابُ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ اقْتِرَانِ قَرَائِنَ بِتِلْكَ الْأَخْبَارِ، أَفَادَتْ مَعَهَا الْعِلْمَ «لَمْ يُنْقَلْ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ» ؛ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهِ حَالُ الْعَدَمِ.

غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ احْتِمَالًا مُجَرَّدًا، لَكِنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ الشَّيْءِ وَجَوَازِهِ لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعًا مَوْجُودًا؛ لِأَنَّهُ جَائِزُ الْوُجُودِ.

الْوَجْهُ «الثَّانِي: إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ، وَتَوَاتُرُهُ عَنْهُمْ تَوَاتُرًا مَعْنَوِيًّا» ، أَيْ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَوَاتُرًا مَعْنَوِيًّا، كَسَخَاءِ حَاتِمٍ، وَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ جَرَتْ لَهُمْ، نَذْكُرُ مِنْهَا جُمْلَةً تُنَبِّهُ عَلَى غَيْرِهَا، وَهِيَ الْوَقَائِعُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي «الْمُخْتَصَرِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>