للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ قَبُولَهَا» ، أَيْ: قَبُولَ الرِّوَايَةِ «مِنَ الْفَاسِقِ الْمُتَأَوِّلِ لِحُصُولِ الْوَازِعِ» ، أَيِ: الْكَافِّ لَهُ مِنَ الْكَذِبِ. يُقَالُ: وَزَعَهُ يَزَعُهُ وَزْعًا: إِذَا كَفَّهُ؛ فَاتَّزَعَ هُوَ: أَيْ: كَفَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِسْقَ هَذَا، إِنَّمَا هُوَ فِي اعْتِقَادِ خَصْمِهِ، وَإِلَّا؛ فَهُوَ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ الْعَدَالَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَيُخَطِّئُ خَصْمَهُ فِي خِلَافِهِ؛ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مُعْتَصِمٌ بِحَبْلِ التَّدَيُّنِ؛ فَلَا يُقْدِمُ عَلَى الْكَذِبِ.

وَلَا يَرِدُ مِثْلُ هَذَا فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَقْطَعُونَ بِخَطَأِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُونَ يَقْطَعُونَ بِخَطَئِهِمْ؛ فَيَرَوْنَ الْكَذِبَ لِيَكِيدُوا بِهِ الْإِسْلَامَ قُرْبَةً، بِخِلَافِ فَسَقَةِ الْمِلَّةِ، فَإِنَّ غَالِبَ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفَسَّقُونَ بِهَا لَيْسَتْ قَوَاطِعَ، كَمَا قَرَّرْتُهُ فِي كِتَابِ «إِبْطَالِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ» .

وَهَذَا - أَعْنِي قَبُولَ رِوَايَةِ الْفَاسِقِ الْمُتَأَوِّلِ - قَوْلُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي «الْمُخْتَصَرِ» ، وَالِاحْتِرَازُ بِالْمُتَأَوِّلِ عَنِ الْمُعَانِدِ؛ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لِعِنَادِهِ، وَعَدَمِ الْوَازِعِ لَهُ.

تَنْبِيهٌ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى أَنَّ شَارِبَ النَّبِيذِ مُتَأَوِّلًا يُحَدُّ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ؛ فَقَبِلَهَا أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ، وَرَدَّهَا مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ: أَنَّ فِسْقَهُ مَظْنُونٌ؛ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ مَقْطُوعٌ؛ فَتُرَدُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>