. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَاحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
وَنَظِيرُ هَذَا أَوْ شَبِيهُهُ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقَلِّلُ مَهَابَةَ الْبَيْتِ فِي النُّفُوسِ، لِكَثْرَةِ رُؤْيَتِهَا وَمُلَابَسَتِهَا لَهُ، بِخِلَافِ مَنْ يَرَاهُ فِي الْعَامِ أَوِ الْأَعْوَامِ مَرَّةً، فَإِنَّ مَحَلَّ الْبَيْتِ فِي نَفْسِهِ أَعْظَمُ، وَمَهَابَتَهُ أَكْبَرُ.
وَلِمِثْلِ هَذَا نَهَى السَّلَفُ عَنِ الْكَلَامِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ تُسْقِطُ مَهَابَةَ الرَّبِّ مِنَ الْقَلْبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الشِّعْرِ قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَأَخٍ كَثُرْتُ عَلَيْهِ حَتَّى مَلَّنِي ... وَالشَّيْءُ مَمْلُولٌ إِذَا مَا يَكْثُرُ
وَفِي رِوَايَةٍ: رَخُصْتُ عَلَيْهِ، وَيَرْخَصُ. وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِ الْمَجْهُولِ فِي مِلْكِ الْأَمَةِ، وَخُلُوِّهَا عَنِ النِّكَاحِ؛ فَهُوَ رُخْصَةٌ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُعَامَلَاتِ، وَلُزُومِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، مِنْ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ كُلِّ بَائِعٍ وَمُعَامِلٍ، حَتَّى مَعَ الْعِلْمِ بِفِسْقِهِ، أَيْ: حَتَّى وَلَوْ عَلِمْنَا فِسْقَ الْإِنْسَانِ، قَبِلْنَا قَوْلَهُ فِيمَا يَدَّعِي مِلْكَهُ مِنْ أَمَةٍ وَغَيْرِهَا؛ فَنَشْتَرِيهِ مِنْهُ، وَنُرَتِّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمِلْكِ مِنْ إِبَاحَةِ وَطْءٍ، وَاسْتِخْدَامٍ، وَنَحْوِهِ.
وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، كَنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ، وَنَحْوِهِ فَمَمْنُوعٌ، أَيْ: لَا نُسَلِّمُ قَبُولَ قَوْلِهِ فِيهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ، أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامٌ جُزْئِيَّةٌ، لَا تَعْظُمُ الْمَفْسَدَةُ فِي قَبُولِهَا مِنْهُ، بِخِلَافِ قَبُولِ رِوَايَتِهِ، فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute