للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «ثُمَّ الصَّحَابَةُ عُدُولٌ بِالنَّصِّ؛ فَلَا وَجْهَ لِلْبَحْثِ عَنْهُمْ» ، يَعْنِي أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَقْبَلُونَ رِوَايَاتِ الْمَجَاهِيلِ مِنَ الْأَعْرَابِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابَ وَالنِّسَاءَ الَّذِينَ قَبِلَ الصَّحَابَةُ خَبَرَهُمْ، هُمْ صَحَابَةٌ أَيْضًا، وَالصَّحَابَةُ قَدْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ بِالنَّصِّ؛ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ - أَعْنِي مَسْأَلَةَ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ - فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا قَبُولُ خَبَرِ مَنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَوَى عَقِيبَ إِسْلَامِهِ؛ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، أَيْ: لَا نُسَلِّمُ قَبُولَ خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ، لِجَوَازِ اسْتِصْحَابِهِ حَالَ الْكَذِبِ فِي الْكُفْرِ إِلَى مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُمْ: لَوْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَظْهَرْ لِلْإِسْلَامِ أَثَرٌ.

قُلْنَا: أَثَرُ الْإِسْلَامِ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي قَبُولِ الرِّوَايَةِ، بَلْ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، كَصِحَّةِ الْإِمَامَةِ، وَأَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ، وَعِصْمَةِ الدَّمِ وَالْمَالِ، وَوُجُوبِ قَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ لَوِ ارْتَدَّ، وَسُقُوطِ الْجِزْيَةِ إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.

قَوْلُهُ: «وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ؛ فَالْفَرْقُ» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: وَإِنْ سَلَّمْنَا قَبُولَ رِوَايَةِ مَنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَوَى عُقَيْبَ الْإِسْلَامِ؛ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إِذَا تَرَاخَى زَمَنُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ الْمَجْهُولِ الْعَدَالَةِ، هُوَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ؛ فَهُوَ عِنْدُ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ يُعَظِّمُهُ وَيَهَابُهُ؛ لِأَنَّهُ دِينٌ جَدِيدٌ مُعَظَّمٌ عِنْدَهُ؛ فَيُصَدَّقُ غَالِبًا وَظَاهِرًا، أَيِ: الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي خَبَرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ طَالَ زَمَنُهُ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ يَطْمَعُ فِي جَنَبَتِهِ، وَيَسْتَسْهِلُ الْمَعَاصِيَ مِنْ كَذِبٍ وَغَيْرِهِ؛ إِمَّا لِرِخَصِ الدِّينِ عِنْدَهُ، جَرَاءَةً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَاعْتِمَادًا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الرُّخَصِ وَالتَّوْسِعَةِ، رَجَاءً لِعَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>