للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ، بِأَنْ عَدَّلَ الشَّاهِدَ أَوِ الرَّاوِيَ طَائِفَةٌ، وَجَرَحَهُ طَائِفَةٌ، قُدِّمَ الْجَرْحُ، وَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ زِيَادَةً خَفِيَتْ عَلَى الْمُعَدِّلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ الْمُعَدِّلِ فِي تَعْدِيلِهِ اسْتِصْحَابُ حَالِ الْعَدَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَعَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا يُنَافِيهَا، وَمُسْتَنَدَ الْجَارِحِ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ؛ فَقُدِّمَ قَوْلُهُ كَرَاوِي الزِّيَادَةِ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا أَمْكَنَ اطِّلَاعُ الْجَارِحِ عَلَى زِيَادَةٍ، أَمَّا إِذَا اسْتَحَالَ ذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ قَالَ الْجَارِحُ: رَأَيْتُ هَذَا قَدْ قَتَلَ زَيْدًا فِي وَقْتِ كَذَا، وَقَالَ الْمُعَدِّلُ: رَأَيْتُ زَيْدًا حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ فَهَهُنَا يَتَعَارَضَانِ؛ فَيَتَسَاقَطَانِ، وَيَبْقَى أَصْلُ الْعَدَالَةِ ثَابِتًا.

قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ هَهُنَا أَنْ يُقَدَّمَ قَوْلُ الْمُعَدِّلِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي اسْتَنَدَ إِلَيْهِ الْجَارِحُ قَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ؛ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْجَرْحَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ؛ فَيَبْقَى التَّعْدِيلُ مُسْتَقِلًّا، وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنَّ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ؛ تَكُونُ ثُبُوتُ عَدَالَةِ هَذَا الرَّاوِي ثَابِتَةً بِالْأَصَالَةِ وَتَعْدِيلِ الْمُعَدِّلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَسَاقُطِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، تَكُونُ ثَابِتَةً بِالْأَصَالَةِ فَقَطْ.

قُلْتُ: وَهَذِهِ الصُّورَةُ تُشْبِهُ تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ وَالْأَمَارَتَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ؛ فِيمَنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ، أَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ فِي وَقْتٍ عَيَّنَهُ، وَأَخْبَرَهُ آخَرُ أَنَّ الْكَلْبَ الْمُعَيَّنَ، وَلَغَ فِي إِنَاءٍ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَلَمْ يَكُنِ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا لِوُلُوغِهِ فِيهِمَا؛ فَيَتَعَارَضُ خَبَرُهُمَا، وَيَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا، لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>