للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلَى ثِقَةٍ وَاحْتِرَازٍ مِنَ الْخَطَأِ، وَالْغُلُوِّ فِيهِ.

وَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْعَامَّةِ، وَهُوَ يَضْرِبُ يَدًا عَلَى يَدٍ، وَيُشِيرُ إِلَى رَجُلٍ، وَيَقُولُ: مَا هَذَا إِلَّا زِنْدِيقٌ، لَيْتَنِي قَدَرْتُ عَلَيْهِ؛ فَأَفْعَلُ بِهِ، وَأَفْعَلُ؛ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي عَنْ أَحْمَدَ: لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ سَبَبِ الْجَرْحِ أَيْضًا «اكْتِفَاءً» أَيْ: لِلِاكْتِفَاءِ بِظُهُورِ أَسْبَابِهِ؛ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ، مَشْهُورَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْجَارِحِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَجْرَحُ بِمَا يَعْلَمُهُ صَالِحًا لِلْجَرْحِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ بَيَانِ السَّبَبِ فِيهِمَا حَسَنٌ جَيِّدٌ؛ فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَوِ الْمُحَدِّثِ، أَنْ لَا يَقْبَلَ إِلَّا قَوْلَ الْجَازِمِ، الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْمُفَرِّطِ وَالْمُفْرِطِ؛ فَمَنْ غَلَا فِي الْجَزْمِ، حَتَّى جَرَحَ بِمَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إِفْرَاطٌ، وَالثَّانِي تَفْرِيطٌ، وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ، وَالصَّوَابُ التَّوَسُّطُ.

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ مَذَاهِبِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، كَمَا سَبَقَ؛ فَيَجْرَحُ عِنْدَ كُلِّ حَاكِمٍ بِمَا يَرَاهُ ذَلِكَ الْحَاكِمُ جَرْحًا؛ فَيَجْرَحُ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ مُتَأَوِّلًا؛ لِأَنَّهُ يَرَاهُ قَادِحًا دُونَ غَيْرِهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ، لَكَانَ الْجَارِحُ أَوِ الْمُعَدِّلُ غَارًّا لِبَعْضِ الْحُكَّامِ، حَتَّى يَحْكُمَ بِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى قَبُولَ قَوْلِهِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْغِشِّ فِي الدِّينِ، وَهُوَ حَرَامٌ.

قَوْلُهُ: «وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ؛ لِتَضَمُّنِهِ زِيَادَةً خَفِيَتْ عَنِ الْمُعَدِّلِ» ، أَيْ: إِذَا تَعَارَضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>