للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

آخَرُونَ؛ فَقَالُوا: لَا يُشْتَرَطُ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: هُوَ فَاسِقٌ، أَوْ عَدْلٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، اعْتِمَادًا عَلَى الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ؛ لِأَنَّهُ، إِنْ كَانَ خَبِيرًا بِمَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَيُثْبِتُهَا، عَالِمًا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَاتِّفَاقِهِمْ، ضَابِطًا لَهُ، ذَا بَصِيرَةٍ فِيهِ، قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ؛ فَيُرَدُّ، أَوْ يُطَالِبُهُ الْحَاكِمُ بِبَيَانِ السَّبَبِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ هُوَ مُؤَثِّرٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ إِنَّمَا يُقْبَلُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ حَالِهِ فِي الضَّبْطِ وَالْعِلْمِ مَا وَصَفْنَا، لَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إِلَى بَيَانِ السَّبَبِ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْ مُسْلِمًا وَنَحْوَهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، إِذَا جَرَحُوا شَخْصًا، أَوْ عَدَّلُوهُ، يَبْعُدُ بَيَانُ اشْتِرَاطِهِمْ لِلسَّبَبِ، مَعَ اشْتِهَارِ عِلْمِهِمْ، وَضَبْطِهِمْ، وَإِتْقَانِهِمْ، وَاحْتِيَاطِهِمْ، بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَتْ حَالُهُ فِي ذَلِكَ كَحَالِهِمْ.

قَوْلُهُ: «وَعِنْدَنَا: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بَيَانُهُ فِي الْجَرْحِ، فِي قَوْلٍ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ، وَاعْتِقَادِ بَعْضِهِمْ مَا لَيْسَ سَبَبًا سَبَبًا، وَفِي قَوْلٍ: لَا، اكْتِفَاءً بِظُهُورِ أَسْبَابِ الْجَرْحِ» .

مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ التَّعْدِيلَ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ سَبَبِهِ، اسْتِصْحَابًا لِحَالِ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، بِخِلَافِ سَبَبِ الْجَرْحِ؛ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ، وَاعْتِقَادِ بَعْضِهِمْ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْجَرْحِ جَارِحًا، كَشُرْبِ النَّبِيذِ مُتَأَوِّلًا؛ فَإِنَّهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، دُونَ غَيْرِهِ، وَكَمَنَ يَرَى إِنْسَانًا يَبُولُ قَائِمًا؛ فَيُبَادِرُ لِجَرْحِهِ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ، مُخْطِئٌ أَوْ مَعْذُورٌ، كَمَا حُكِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا؛ لِعُذْرٍ كَانَ بِهِ؛ فَيَنْبَغِي بَيَانُ سَبَبِ الْجَرْحِ، لِيَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>