للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِكَذَا، أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ، لَكِنَّهُ دُونَهُ، لِاحْتِمَالِ الْوَاسِطَةِ، وَاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِ الْأَمْرِ إِلَّا بَعْدَ جَزْمِهِ لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَمَعْرِفَةُ الْأَمْرِ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ اللُّغَةِ، وَهُمْ أَهْلُهَا؛ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ وَنَحْوِهَا خِلَافٌ، وَخِلَافُنَا فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ.

ثُمَّ أَنْ يَقُولَ: أُمِرْنَا، أَوْ نُهِينَا؛ فَيُحْتَمَلُ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ أَنَّ الْآمِرَ غَيْرُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ فَرَدَّهُ قَوْمٌ لِذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ، إِذْ مُرَادُ الصَّحَابِيِّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى صُدُورِهِ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلٍ أَخْطَأَ فِيهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَيَخْرُجُ قَبُولُهُ إِذَنْ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ أَمْ لَا.

وَلَا يَتَوَجَّهُ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي قَوْلِهِ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا، أَوْ جَرَتْ، أَوْ مَضَتِ السُّنَّةُ بِكَذَا؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِرْنَا وَنُهِينَا.

ــ

قَوْلُهُ: «ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِكَذَا، أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا» .

هَذِهِ الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ، «فَحُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ» ، وَهُوَ قَوْلُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَمْلِهِ عَلَى السَّمَاعِ، لَكِنَّهُ دُونَ قَوْلِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: احْتِمَالُ الْوَاسِطَةِ فِي قَوْلِهِ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ نَهَى، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْتَمِلُ الْوَاسِطَةَ أَيْضًا؛ فَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْوَاسِطَةِ فِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاحْتِمَالِهَا فِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَعَمِ احْتِمَالُ الْوَاسِطَةِ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْوَى مِنْهُ فِي قَوْلِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ مَنْ يَرْوِي أَمْرَ الرَّسُولِ وَنَهْيَهُ؛ فَيَحْكِيهِ عَنْهُ، وَيُضِيفُهُ إِلَى الرَّسُولِ بِوَاسِطَةِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ، أَقْرَبُ وَأَكْثَرُ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ، مَعَ إِرَادَةِ الْوَاسِطَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>