. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ لَفْظَ قَالَ لَفْظٌ خَبَرِيٌّ لَا احْتِمَالَ فِيهِ، وَلَا اشْتِبَاهَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مُشْتَبِهٌ فِي صِيَغِهِ وَمَعَانِيهِ؛ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الرَّاوِيَ اعْتَقَدَ مَا لَيْسَ أَمْرًا أَمْرًا، وَمَا لَيْسَ نَهْيًا نَهْيًا، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: لَا حُجَّةَ فِيهِ مَا لَمْ يُنْقَلِ اللَّفْظُ، لَكِنْ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا بَعْدَ جَزْمِهِ بِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ؛ فَيَكُونُ هَذَا الظَّاهِرُ رَاجِحًا عَلَى ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا نُقِلَ الْأَمْرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَمْرِ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ اللُّغَةِ، وَهُمْ - يَعْنِي الصَّحَابَةَ - أَهْلُ اللُّغَةِ؛ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ لَفْظُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ.
ثُمَّ إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَنَحْوِهَا خِلَافٌ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ الرَّاوِيَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ الْمُرَادُ مِنَ الْأَمْرِ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ مِنْ لُغَتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ اشْتِبَاهٍ وَلَا احْتِمَالٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَمْرِ فِيمَا بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِكَثِيرٍ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِيهِ، وَاشْتِبَاهَهُ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ أَنْ يَقُولَ: أُمِرْنَا أَوْ نُهِينَا» . هَذِهِ الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ؛ فَيُحْتَمَلُ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ أَنَّ الْآمِرَ غَيْرُ الرَّسُولِ، أَمَّا الِاحْتِمَالَاتُ السَّابِقَةُ؛ فَهِيَ احْتِمَالُ الْوَاسِطَةِ، وَاحْتِمَالُ اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ أَمْرًا، وَاحْتِمَالُ اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِنَهْيٍ نَهْيًا؛ فَهَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute