. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَهَهُنَا جَوَّابَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي بَدَلًا فِي النَّسْخِ أَصْلًا ; لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِبَدَلِ الْآيَةِ مِثْلَهَا، أَوْ خَيْرًا مِنْهَا، وَقَعَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ، الَّذِي هُوَ النَّسْخُ ; فَهُوَ مَشْرُوطٌ لَهُ، وَالْمَشْرُوطُ مَلْزُومٌ لِلشَّرْطِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ انْتِفَاءُ اللَّازِمِ، وَلَا ثُبُوتُهُ ; فَانْتِفَاءُ الْبَدَلِ فِي النَّسْخِ، لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ اللَّازِمِ وَلَا ثُبُوتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِانْتِفَاءِ الْبَدَلِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ، نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، جَازَ أَنْ يُوجَدَ النَّسْخُ بِدُونِ الْبَدَلِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النَّسْخِ مِنْ بَدَلٍ، قَدْ يَكُونُ فِي [غَيْرِ] الْمَصْلَحَةِ ; فَيَكُونُ عَدَمُ بَدَلِ الْحُكْمِ أَصْلَحَ لِلْمُكَلَّفِ ; فَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بَدَلٌ عَنْ مَصْلَحَةِ الْمَنْسُوخِ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْهُ حُكْمٌ ; لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ عَدَمِيَّةٌ، أَيْ: نَاشِئَةٌ عَنْ عَدَمِ الْحُكْمِ.
وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ عَنِ الْآيَةِ: بِأَنَّهَا صِيغَةُ شَرْطٍ، وَلَا يَلْزَمُ فِي الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، بَلْ قَدْ يَكُونَ مُحَالًا، كَقَوْلِنَا: إِنْ كَانَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ ; فَالْعَشَرَةُ اثْنَانِ ; فَهَذَا شَرْطٌ مُحَالٌ، وَالْكَلَامُ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمِ الشَّرْطُ الْإِمْكَانَ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْوُقُوعِ مُطْلَقًا ; فَضْلًا عَنِ الْوُقُوعِ بِبَدَلٍ.
قَوْلُهُ: «وَنَسْخُ الْحُكْمِ بِأَخَفَّ مِنْهُ» ، أَيْ: يَجُوزُ نَسْخُ الْحُكْمِ بِأَخَفَّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَنِ الْمُكَلَّفِ، وَهُوَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، بَلْ هُوَ عَامُّ الْجُودِ عَلَى خَلْقِهِ.
قَوْلُهُ: «وَبِمِثْلِهِ» ، أَيْ: وَيَجُوزُ نَسْخُ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ فِي الْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ.
قَوْلُهُ: «لَا يُقَالُ: هُوَ عَبَثٌ» هَذَا تَقْرِيرُ سُؤَالٍ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: نَسْخُ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ عَبَثٌ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَثَلَيْنِ يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ ; فَالنَّقْلُ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute